كشفت مصادر اعلامية عن معلومات جديرة بالوقوف عندها ، ونزعت قناعا من تلطخ كانت نبرة الحرب على الفساد تحجبه..!.
فقد نشر موقع الاخبار تقريرا هو الثالثة من سلسلة تقارير تعدها الأخبار عن العمليات التي تعرضت لها الشركة الوطنية للإيراد والتصدير "سونمكس" خلال السنوات الأخيرة، ونقلتها من مرحلة تعاف اقتصادي إلى حافة الانهيار، وأدت بالحكومة لتشكيل "لجنة أزمة" تضم عدة قطاعات حكومية لدراسة سبل التخلص من عبئ شركة "سونمكس".
وجاء في التقرير:
تشكل "الأسمدة" أحد المجالات التي يعتبر استيرادها حكرا على الشركة الوطنية للإيراد والتصدير "سونمكس"، وكان المجال الوحيد الذي احتفظت باستيراده، غير أن "تدخلات" النافذين والمقربين ضيع على الشركة الأرباح المحتملة من هذا المجال، وحولها إلى أعباء وخسائر بمئات الملايين، زاد من حجم الأزمة المالية التي تتخبط فيها الشركة، فيما "تحطمت" المساءلة عنها على صخرة رجل الأعمال المقرب من الرئيس لعمر ولد ودادي، والمدير التجاري للشركة محمد ولد اسبيعي.
تاريخ من النهب
ورغم أن قضية الأسمدة طفت على سطح التناول الإعلامي خلال النصف الأخير من العام 2016، وحضر فيها اسم رجل الأعمال لعمر ولد ودادي بقوة، إلا أن الخفي فيها كان التاريخ الطويل له مع هذه الأسمدة، حيث ظهر اسمه – حسب وثائق القضية – في أكثر من محطة، فكان المستورد للشركة عبر شركته "سوجيكور"، وكان المشتري عبر مصنع التقشير التابع لشركة SPSPIA، (وهو نفس المصنع الذي ورد اسمه في الحلقة السابقة وكان المستفيد الأبرز من صفقات شراء الشركة للأرز الموريتاني).
وتكشف وثائق الصفقات، وتفاصيل التحقيق "علاقة" وطيدة بين ولد ودادي، وولد اسبيعي، حيث كان الأخير يعمل مديرا لمصنع الأول للتقشير (SPSPIA) قبل أن يتدخل ولد ودادي بنفوذه ليحمل ولد اسبيعي – من زبون لسونمكس – إلى مدير تجاري لها، (كما تظهر مداولة مجلس إدارة الشركة بتاريخ: 06 – 10 - 2009) وبراتب مليون أوقية، رغم أن مؤهله العلمي لا يتجاوز "مستوى باكلوريا".
ونجح ولد ودادي في "تمرير" تعيين ولد اسبيعي، ومنحه هذا الراتب الكبير، عبر علاقته برئيس مجلس الشيوخ محسن ولد الحاج، حيث مرره الأخير عبر حليفه وزير التجارة حينها بمب ولد ادرمان.
وقد "رد" ولد اسبيعي لولد ودادي "الجميل" عبر صفقات عديدة في كل مجالات تدخل شركة سونمكس، وتصاعد "التخادم" المصلحي بينهما لدرجة جعلت "لعمر ولد ودادي" يعترف للمحققين بأنه "لا يعرف إن كان سدد المبالغ التي كانت تطالبه بها شركة سونمكس أم لم يسددها"، ويردف "كنت آخذ دون أن أدفع، وأدفع أحيانا لها دون أن أوثق"، وكانت الأسمدة عنوانا في تعامل ولد ودادي مع شركة "سونمكس".
أفعال ولد ودادي المورد..
في نوفمبر 2011 أعلنت وزارة الزراعة عن مناقصة وطنية لتوفير احتياجات الحملة الزراعية 2012 – 2013 من مواد اليوريا، أمونيوم الفوسفات (DAP)، لمكافحات الأعشاب الضارة والطيور، وفازت بها شركة "سوجيكور" المملوكة لأسرة أهل ودادي، دون عناء.
وبموجب الصفقة تعهدت شركة "سوجيكور" بتوفير كمية 9.000 طن من اليوريا و3.600 طن من أمونيوم الفوسفات، يوم 3 مايو 2012، غير أن الشركة لم تف بوعدها، ولم تسلم الكميات في الموعد المحدد ما جعل الموسم الزراعي – حينها - عرضة لخطر حقيقي.
وكان مبرر الشركة في "عدم الوفاء بالتزامها" هو "ارتفاع سعر طن اليوريا الذي جرى مبدئيا الاتفاق عليه مع المصدر (شركة بوش) حيث ارتفع من 307.95 أورو إلى 400 أورو مع شحن إلى داكار بدل نواكشوط".
الحكومة لجأت تحت ضغط المزارعين والمخاطر التي تتهدد الموسم الزراعي إلى تشكيل لجنة وزارية ترأسها الوزير الأول – حينها – مولاي ولد محمد الأغظف، وقد عقدت اللجنة اجتماعا استمر حتى وقت متأخر من الليل استعرضت خلاله وضعية الصفقة، واطلعت على مبررات شركة "أهل ودادي" الفائزة بالصفقة ومطالبها المتمثلة في زيادة العرض المبدئي، ليأخذ في الحسبان زيادة الكلفة بمبلغ 397.098.000 أوقية، على القيمة الأصلية للصفقة.
وحضر الاجتماع الوزير الأول مولاي ولد محمد الأغظف، وزير المالية وكالة الطالب ولد عبدي فال، وزير التجارة والصناعة بمب ولد درمان، وزير التنمية الريفية إبراهيم ولد امبارك، وزير المياه والصرف الصحي محمد الأمين ولد آبي، الأمين العام للحكومة با عثمان، مفوض الأمين الغذائي محمد ولد محمدو، واطلعت اللجنة على الفروق بين عرضي شركة "سوجيكور" حيث وصل فرق الثمن بين عرضي الشركة 33.562 أوقية للطن، أي 302.058.000 أوقية لـ 9.000 طن، فيما بلغت كلفة النقل من داكار إلى روصو (على الأراضي الموريتانية) 95.040.000 أوقية، أي 10.560 أوقية لكل طن.
وبناء على تكليف من اللجنة الوزارية قدمت شركة "سونمكس" – بصفتها المختص في المجال – وبالتعاون مع مزود سويسري مقترحين، الأول أن "تتحمل الدولة كامل الزيادة في الكلفة (397.098.000 أوقية)؛ أما المقترح الثاني فهو "الاحتفاظ بأسعار عرض "سوجيكور" الأول بشرط أن تعفي الدولة كميات اليوريا وأمونيوم الفوسفات المعنية من ضريبتي القيمة المضافة (TVA) والضريبة الجزافية الدنيا (IMF)".
وقد قررت اللجنة الوزارية – بعد تلقي المقترحين - إلغاء الصفقة، وتكليف شركة "سونمكس" بشراء الكميات المطلوبة، غير أن الوثائق كشفت أن قرار اللجنة الوزارية تم الالتفاف عليه بسبب تدخلات من نافذين، حيث "أُرغمت" شركة "سونمكس" على شراء نفس الكمية من شركة أهل ودادي، وبنفس الأسعار التي طلبتها.
فقد وقعت وزارة التنمية الريفية والبيئة، ووزارة المالية، وشركة سونمكس، اتفاقا ثلاثيا حول الموضوع ذاته، تم خلاله الالتفاف على إلغاء الصفقة من خلال شراء الكمية ذاتها بزيادة في الثمن بلغت 612.780.000 أوقية.
وحملت ديباجة الاتفاق مبررات لهذا الالتفاف على قرار "إلغاء الصفقة" من بينها "ارتفاع شديد للأسعار في الأسواق الدولية؛ وجدول مواعيد زراعية يفرض تحديد آجال الشراء من أجل عدم إلحاق الضرر بالحملة الزراعية 2012 - 2013".
وأكدت ديباجة الاتفاق إمكانية تأمين الكمية من الأسمدة من ميناء داكار بزيادة تتجاوز 600 مليون أوقية، مبررة هذه الزيادة "بطلب زيادة الثمن الابتدائي للصفقة التي تم إلغاؤها طبقا لمحضر اللجنة الوزارية في 29 مايو 2012، وبشراء 400 طن من اليوريا، إضافة إلى 9.000 طن كانت مقررة من أجل تغطية حاجات موسم 2012 الحار"، إضافة "لتكاليف النقل والتأمين والمعالجة.. للمواد التي ستنقل من داكار إلى روصو في موريتانيا".
"مساهمات" ولد ودادي الزبون
وكما "أدب" ولد ودادي "المورد" إدارة شركة "سونمكس" بإرغامها على مضاعفة المبلغ في الصفقة السابقة رغم إلغائها من طرف لجنة وزارية ترأسها الوزير الأول، حيث عادت الشركة "مرغمة" لدفع المبلغ، كان له معها تاريخ طويل كزبون، حيث انكشفت منتصف العام الماضي قضية اختفاء 600 طن من الأسمدة، وهو ما قدرت قيمته بأكثر من مليار أوقية، وكان لعمر ولد ودادي المتهم الأبرز فيها، حيث اعترف هو نفسه بـ"شراء" عشرات لأطنان فيما تحدث رجال أعمال وموظفون مشمولون معه في الملف بشرائه لـ600 طن.
وأكد مدير فرع شركة "سونمكس" في روصو اعل سالم ولد عبد الله ولد ابيبكر تلقيه أوامر عبر الهاتف من المدير التجاري لسونمكس ولد اسبيعي بمنح ولد ودوادي كمية الأسمدة.
ولد ودادي اعترف للمحققين – حسب الوثائق التي اطلعت عليها الأخبار - بـ"أخذه لكميات عديدة من الأسمدة من الشركة دون دفع مقابلها، وكذا شراء أسمدة تعرفُ الشركة ويعرفُ هو أنها منتهية الصلاحية، فضلا عن تسديده لمبالغ مالية للشركة – بعضها يعود للعام 2009 – وذلك مع بداية التفتيش الذي تعرضت له الشركة 2016".
ومن بين الكميات التي اعترف بها ولد ودادي شراؤه لـ150 طنا من الأسمدة منتهية الصلاحية من الشركة، فيما تحدث رجل الأعمال المشمول في الملف عبد الرحمن ولد امو للمحققين عن شرائه لـ300 طن من الأسمدة الفاسدة من ولد ودادي، مؤكدا امتلاكه وثيقة على ذلك.
وتحدث ولد ام عن شراء ولد ودادي 600 طن من الأسمدة الفاسدة من الشركة.
ولد ودادي اعترف بأخذه لكميات كبيرة من الأسمدة من شركة "سونمكس" فيما تحدث عن شكه في صرف مقابلها من الأموال، وبناء على شكه قدم للجنة التحقيق شيكا بقيمة 12 مليون أوقية، وذلك كضمان منه لكمية من الأسمدة قال إنه يشك في دفع مقابلها.
فساد بلا مفسدين!
ورغم إثبات المحققين لضياع أكثر من مليار أوقية من أموال شركة "سونمكس"، واعتراف المتهمين بالمسؤولية عن الموضوع، "تلاشت" شخوص المتهمين من كبار المسؤولين، ورجال الأعمال، ليستقر الملف بعد 6 أشهر من التحقيقات المكثفة على "متهم وحيد"، كان الحلقة الأضعف، هو رئيس فرع سونمكس في روصو اعل سالم ولد عبد الله ولد ابيبكر.
وكان المرحلة الأولى بـ"تشتيت" لجنة المحققين الذي "تطاولوا" على مقام النافذين، وتجرؤوا على توجيه الاتهام لهم، فأقيل رئيس لجنة التحقيق المفتش محمد السالك ولد ابياه بشكل مفاجئ، فيما تم "إبعاد" مساعده في ملف التحقق يوسف ولد احميتي إلى الإدارة الإدارية والمالية للشركة الوطنية لصيانة الطرق "ENER"، وذلك في أوج التحقيقات، وقبل أسابيع من إحالة الملف إلى القضاء.
أما المرحلة الثانية فقد "سُلَّ" فيها رجل الأعمال لعمر ولد ودادي من الملف من قبل النيابة العامة، حيث تم "حفظ ملفه دون أي تهم أو متابعة"، فيما أحيل ولد اسبيعي إلى قاضي التحقيق، ولم يكمل 48 ساعة قبل الخروج من السجن بـ"حرية مؤقتة"، مصحوبة بامتيازات للتنقل عبر العالم، كان باريس بوابتها بمبرر تلقي العلاج.
آخر المؤدبين..
وكان آخر المؤدبين في الملف المدير الحالي لشركة "سونمكس" الشيخ عبد الله زيدان، والذي تولى إعداد التقرير الذي كان بمثابة "جرس الإنذار" حول واقع الفساد في الشركة، وقاد لاحقا لكل التحقيقات التي كشفت دور لعمر ولد ودادي، وولد اسبيعي في وضع الشركة على حافة الإفلاس.
وتم "تأديبه" من خلال "إرغامه" هو ذاته على توقيع وثيقة بتقديم مبلغ 18 مليون أوقية كتعويض مالي للمتهم – الذي يوجد في حالة حرية مؤقتة – محمد ولد اسبيعي، وكان هذا المبلغ "مقابل إنهاء خدمة"، وهي "ميزة تفضيلية" غير مسبوقة في تاريخ المقالين بسبب الفساد، ومن المؤكد أنها تشكل حلم الكثير من المتهمين في ملفات فساد، سواء الطلقاء منهم، أو من يوجدون في سجن بير أم اكرين أقصى الشمال الموريتاني.