حول النائب محمد بوي الشيخ محمد فاضل (تدوينة لنائب برلماني)

12. يوليو 2019 - 20:19
النائب : محمد لمين ولد سيد مولود

حول النائب محمدبوي الشيخ محمد فاضل

"وأما الكتاب فجمع حكمة ولهواً فاختاره الحكماء لحكمته والسفهاء للَهوه والمتعلم من الأحداث ناشط في حفظ ما صار إليه من أمر يربط في صدره ولا يدرى ما هو .... ومن قرأ هذا الكتاب ولم يفهم ما فيه ولم يعلم غرضه ظاهراً أو باطناً لم ينتفع بما بدا له من خطه ونقشه."
فقرة من وصف عبد الله ابن المقفع (724 م ـ 759 م) لكتاب "كليلة ودمنة" للحكيم الهندي بيدبا، حيث تروي بعض الروايات أن ألكسندر الرومي لما احتلّ الهند بلاد الهند أمّر عليها أحد أتباعه، لكن الهنود ثاروا عليه ونصّبوا دبشليم ملكا عليهم، لكنّه ما لبث أن تبدل من شخص رحيم إلى ملك مستبد طاغية، فنهض إليه الحكيم الهندي بيدبا ناصحا له زاجرا، فأمر الملك بصلب الحكيم، ثم عدل إلى سجنه، لكنه بعد فترة أمر بالإفراج عنه وإحضاره ليعيد ما نصحه به وما انتقده من سلوكه أمامه، ثم عيّنه وزيرا عنده، فكانت هذه بداية تأليف الحكيم لكتاب "كليلة ودمنة" وهو كتاب استعار فيه أسماء وصفات الحيوان كناية عن الحاكم وركائز حكمه وعلاقتهم بالمحكومين. طبعا هنالك روايات أخرى تشكك في كل ذلك وتقول إن أصل الكتاب هو النسخة العربية وأن حكاية الهند ثم الترجمة إلى الفارسية وغيره إنما هي أمور سلكها ابن المقفع مخافة بطش السلاطين والخلفاء، وليس ذلك غريبا في مسلكيات المستبدين قديما ولا حديثا.

أردتُ هذا المدخل للتذكير أن كناية المثقفين والأدباء والحكماء واستعارتهم عن الساسة والحكام والقادة بأسماء الحيوانات ليست جديدة ولا بدعة، بل ضاربة في جذور التاريخ والثقافة بعمق وحجم الاستبداد ومقارعته، ولعلكم تذكرون أبيات أحمد شوقي اللطيفة (الليث ملك القفار) بخصوص سوء اختيار الحاكم للوزراء، والتي يختمها بقول الرعية للملك بعد أن ثارت عليه لاختياره الحمار وزيرا:

رأيُ الرعيةِ فيكم / من رأيكم في الحمارِ

بخصوص مداخلة النائب محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل الأخيرة والتي أثارت جدلا ولغطا، أريد أن أوضّح:

ـ أن سعادة النائب لم يذكر اسم أي شخص لا رئيس ولا وزير، ومن يربطون ذلك بشخص ما فإنهم أدرى بأسباب ذلك ووجاهته، وما قاله بالحرف الواحد بعد سرده هو "أنا متأكد أن شهر يوليو في تسيير الحكومة هو امراغت عرْ، يغير نحن بعد متأكدين عن عرْ الحمد لله عاد ماشِ، شكرا".

ـ أنه لا يوجد أي نص يمكن أن يعاقب به النائب في مثل هذه الحالة، عكس الإشاعات المستسهِلة لذلك أو المروجة له، أو المتمنية له، أو الخائفة منه، والفقرة الثانية من الفصل الخامس الخاص بالحصانة البرلمانية، في المادة 85 من النظام الداخلي للجمعية تقول: لا تجوز متابعة أي نائب أو البحث عنه أو توقيفه أو اعتقاله أو محاكمته بسبب آرائه أو تصويته أثناء ممارسته لمهامه".

ـ في إطار العقوبات التأديبية في نظام الجلسات وإدارتها هنالك ما يعرف بالمصادرة مع الطرد المؤقت، وتنص المادة 80 أنه يتعرض النائب للمصادرة ـ أثناء الجلسة طبعا ـ مع الطرد المؤقت في حالة تثبت عليه تهمة سب الدين الإسلامي، أو وجه شتائم أو استفزازات لرئيس الجمهورية أو رئيس الجمعية الوطنية. وقد كنتُ الوحيد الذي رفض التصويت للنظام الداخلي الجديد بسبب هذه المادة ومادتين أخريين، معترضا على جعل الرئيس ورئيس الجمعية في مقام مع سب الدين. وعموما لم تتم المصادرة أثناء كلام النائب محمد بوي، فمن باب أولى الطرد المؤقت. ثم إن آثار الطرد هي حرمان النائب من أعمال الجلسة، والحرمان من ¼ من علاوة الدورة مدة شهرين، والحرمان من أعمل الجلسة لم يحصل، ولا أظن النائب حريصا على العلاوة كلها أحرى ربعها.

ـ حُقّ للبعض القلق، لأن سوابق النظام مع السيناتور محمد ولد غدَه، بل ومع الرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله تجعلنا جميعا ندرك أن مرجعية القوّة هي المصدر الأول للتشريع والشرعية في هذا النظام، وأنه يحكم بقانون الغاب تقريبا، وما اختطاف بعض المواطنين الآن وعلى رأسهم الكاتب والإعلامي وديعة إلا نموذجا متجددا، كما قابلية كثيرين ـ حتى من البرلمانيين مع الأسف ـ لتسويق أي ظلم أو الدفاع عنه، تجعل القلق واردا، ولو لم يكن السبب متوقعا ولا منطقيا.

ـ النائب محمد بوي في غنى ماديا ومعنويا عن مقعد في البرلمان، فعلاوة على كونه إطارا متميزا ومتفوقا في الخارجية ـ الترتيب الأول من دفعته ـ ومثقف ثقافة واسعة وذا أخلاق وشجاعة في قول ما يؤمن والدفاع عنه، والاستعداد للتضحية من أجله، فإنه رجل تدبير وتسيير، يعوّل على فضل الله وعلى جهوده الخاصة في الكدّ الحلال ـ ربما يعطله البرلمان عن كثير من أعماله ذات المردودية الهامة ـ لا ينتظر هديّة من أحد، ولا منصبا، ودخل البرلمان بجهوده الذاتية ماديا ومعنويا، وعلاقاته الواسعة، لم تأت به سلطة ولا حزب ولا أيديولوجيا، فهو بحق "نفس عصام سوّدت عصاما".

ـ النائب محمد بوي من بين مجموعة قليلة جدا هي الأكثر نشاطا برلمانيا، وحضورا للجلسات ومحاججة للوزراء، وبلغت بلاغته وغزارة معلوماته ذات مرة في جلسة مغلقة مع وزير الخارجية حين انتهت الدقائق المخصصة له أن تبرع نائبان من صقور الموالاة ببعض وقتهما ليكمل الرجل حديثه ونقده ومعلوماته، ثم إنه أول نائب قدم في هذه الدورة مساءلة، وكانت عن أشرف هدف، وهو الدفاع عن الجناب النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، وقد غطت مداخلاته وأسئلته ومحاججاته أهم المجالات التي تعني حياة المواطن البسيط، وخاصة الصحة والتعليم والأمن والبطالة الخ، ومن الطبيعي أن لا يعجب ذلك دوائر الفساد والمدافعين عنها.
قد يختلف بعضنا مع بعض مواقف محمد بوي، لكن بكل تأكيد لن يفكّر أي منا في أسماء النواب الجادين المثابرين الأكفّاء، إلا قفز اسم محمد بوي إلى ذهنه مهما كان الاختلاف السياسي معه!

فلْتمنعه قنوات الجمود وتمجيد الفرد الحاكم، ووسائل تصنيم الحكام وإفسادهم، لكنه حجز مكانا متقدما في الشأن العام من الصعب تجاهله أو تغييبه!

تابعونا