قصة خلل وقع في طائرة يتواجد فيها محمد محمود ولد أمات والحاج المشري وكوبة أخري

19. أبريل 2019 - 16:31

قبل ستة أيام كان لنا موعد مع زيارة للموت على متن طائرة الخطوط الجزائرية التي أقلتنا من العاصمة نواكشوط تجاه أولى محطات الرحلة إلى غزة... بفضول صحفي مشوب بفزع كنت أتصفح وجوه الركاب في مقصورة الدرجة الأولى، والطائرة تفرغ حمولتها من الوقود استعدادا للهبوط الاضطراري الثاني في مطار العاصمة نواكشوط..

كان الشيخ الحاج ولد المشري في المقعد أمامي، وكان بجواري بعض أعضاء الوفد؛ الصحفي الصديق محمد يحيى ولد ابيه، وعمدة تكنت المحامي المامي ولد أبابا، وفي المقاعد الأخرى الشيخ عمر الفتح، والنائب عبد الرحمن ولد ميني والرئيس محمد غلام ولد الحاج الشيخ.. كان الكل منخرطا في الحديث؛ تعليقا على وضع الطائرة المشرفة على التحطم (في اعتقادنا، فهي تعود للمرة الثانية بعد أقل من عشرين دقيقة من الإقلاع).. لم ألاحظ أي نوع من الفزع على أحد من الوفد، باستثناء الحالة التي انتابتني من التطلع في ملامح الركاب.. بعد أن قرأت المعوذتين والإخلاص، ودعوت الله أن يجعلها لي شهادة..

لفت انتباهي بقاء الشيخ الحاج ولد المشري في مقعده، دون التفات أو حديث، وكأن شيئا لم يكن.. كان الشيخ مستغرقا في حال هيمان بشيء خارج عالم الطائرة، التي اصطلحنا على تسميتها بـ"أم جنيح"، ندَّ صوت شاقا سكينة الصمت الذي خيم بعيد إعلان طاقم الطائرة عن رحلة العودة الاضطرارية إلى مطار نواكشوط.. كان عدد الركاب قد تناقص إلى أقل من الخمس بعد العودة الأولى، وفي الدرجة السياحية تناثر حوالي ثلاثين طالبا. كان الصوت حارقا، توقعت أن يثير اهتمام الشيخ الذي استغرق في أوراده بعد حديث مقتضب مع الرئيس محمد غلام، فهمت بعد أنه أهداه نسخة من كتاب الأذكار للإمام النووي.. مرّ الصوت الحاد مخترقا طبلة أذني؛ ما الذي يؤخر الهبوط؟ توقعت التفاتة من الشيخ الحاج، ولكن توقعي خاب.

وفي المقاعد الأمامية من الصف الموازي كان الرئيس محمد محمود ولد أمات وهو حينها نائب رئيس البرلمان في صمت شبيه بصمت الشيخ الحاج، وحين دققت النظر رأيته مغمض العينين، حسبت الأمر لبرهة حالة تأمل صوفي أخرى في الطائرة العائدة أدراجها، سرحت قليلا في ملامح الرجل فإذا هو يهوي برأسه إلى الأمام ثم يعود، كأن انتباهة مفاجئة اعترته، دفعني الفضول إلى مواصلة الرقابة، فإذا الرجل في غفوة كأنه يسترقها بين موجات الضجيج التي تصاحب نوبات الهبوط، في رحلة توقعنا أن تكون الأخيرة...

كان الموت ينتظر في المحطة الموالية، أو هكذا توقعنا، وكان الرئيس محمد محمود يسترق إغفاءة بين الموت الحياة والموت.. اعترتني حالة نرفزة من وضع الرجل، حتى فكرت في تنبيهه. كانت تلك مجرد التماعة فزع أخرى تنتابني، تبددت مع سكينة الشيخ والرئيس..

كانت ملامح الرئيس عبد الرحمن ولد ميني قريبة من ملامح الشيخ الحاج ولد المشري.. ثبت في مقعده كأن الأمر لا يعنيه، أو كأن شيئا لم يقع.

فقرة من مقال كتبه محمد عبد الله ولد لحبيب

تابعونا