مرشح الإجماع الوطني و نهج الأخوة و المحبة

31. يناير 2019 - 8:46

حقق الأحمدان محمد ولد عبد العزيز ورفيق دربه محمد ولد الغزواني ،(الزاهدان في القصر والكرسي)، حققا ورفاقهما لموريتانيا ( الوطن والجمهورية) هدفَ الخروج من انسداد سياسي ، حُلِّت عُقده في 3 أغسطس 2005،.
أُدرِك شخصيا تفاصيلَ ذلك باليقين من قبلُ، و يوم استقبلتُهما بمكتب المدير العام لوكالة الأنباء الموريتانية ، وهما يُنقّحان البيانَ الأولَ، وينظمان تحركاتِ وِحْدات تغيير 3 أغسطس .
كان الأحمدان ينَفذان مهمةَ إنقاذٍ للجميع، لم يكن هدفُهما القصرَ ولا قيصرَه.
ذلك شيءٌ من التاريخ ، تكرر مع اسقاطهما للعبة البطاقة البيضاء، ومع بيان اقالة قادة الجيش.
لقد كنتُ ولا أزال أُدرك باليقين لا بالظنون والشائعات، أنه لو كان معاويةُ نفذ المقترحات، ولوكان من خلفه لم يحرن ، و من تسلم القصر فتحا لا حربا لم يخضعْ للكادحين (في الغَلس) ، لما وقع انقلاب جديد، ولضمن هذان الأحمدان التداولَ السلميَّ نهجًا للسلطة.
هذه شؤونٌ علِمتُ خبرَ اليقين في رواقاتها، مثل ملف انتفاضة1983/1984 أيام الرئيس هيداله التي بدأت ببيان صوت الشغيلة الوطنية مساء 23 يوليو1983 ، وارهاصات محاولة التسعينيات، و حركة 8 يونيو2003 ، وهي معارك يتاجِر بها بعد الأزمة تجارٌ بعضُهم ذاق حريقها، وبعضهم لا ناقة له ولا جمل فيها…
سأترك تفاصيل تلك المحطات التي دونتها في مذكراتي (نقوش على جدار الذاكرة)؛ مذكرات ستجلي للقارئ وقتها، وللمناضل النزيه، أن الفرق شاسع بين أقوام
ناضلوا من أجل قضية ومن أجل الوطن، وبين من يركبون كل موج وبكل واد يهيمون.
مثلهم مثل أجيال النفاق الأُوّل الذين كلما غشيتهم فتنةٌ قالوا(ليخرجن الأعز منها الأذل)، وكلما دَخل البدْريّون ورطةً ، أسَروا لحزبهم : (سنطيعكم في بعض الأمر) ، وإن رأوا المناضلين ، (جفا بهم الكيد و الغدر ) قالوا عنهم :(لو كانوا معنا ما قتلوا)..
كشْف المستور سيكون سبقا صحفيا مثل كتاب خريف الغضَب .، ومن هذا السبق أن عالما يدعى محمد سالم ولد عدود رحمه الله ( كان أمة)، وكان إماما، و زعيما مناضلا، وصدِّيقا لا يُفتن، و فتى مؤمنا؛ وكهلا من الرِّبّيّين وقدوة من الصالحين.

رحم الله نصر الله في لبنان، لا يزال في الثغور قائما وفي الكراسي زاهدا..عينه على الأرض والعدو.
هل يستوى هو و جعجعة خطاب الكراهية، الذي تبثه (حركة الزعيم المسيحي سمير جعجع.)؟
لا بستويان : من يحمل روحه فى كفه، ومن يتاجر بغيره فى كل متجر.. و لو ” بثمن بخس دراهم معدودة ”

وها هما الأحمد و العزبز، يعاكسان تيار من يعشق السلطة والثروة، ومن يهوى فِتنَ الكراسي والقصور ، التي ما عصمت الأولين ، وما خلّدت ذكر أُمَم ( كانت أشد منهم قوة) “عدة وعددا”، من عهد (فتنة هاروت وماروت)، إلى (فتنة :الربيع المدمر)، وحروب الغاز التي أتت على (حضارات الأخوة)، و(مثابات مآذن المحبة).

كنت أقولها دائما لكم، كتابة ونطقا، وها أنا أكررها:
الشجاع لايكذب، وهل يموت بلا ذكر الا الأفّاك والكذوب؟
قالها الأمين و قد حَمِيَ الوطيسُ قبل حمسة عشر قرنا ، وقلوبهم بلغت الحناجر، قالها ابن الذبيحين:(ناد يا عباسَ بن عبد المطلِب على أصحاب السمرة وبيعة العقبة ، أنا النبي لاكذب، أنا ابن عبد المطلب).

بدأ عهد الإجماع الوطني، عهد الإخلاص للنهج، والصدق مع الوطن، و من جاهد، ومن قاوم، قضى نحبه من قضى منهم، ووقف تحت الراية منهم من لا يزال ينتظر.
فضل من الله في الأولي2005, وفضل من الله في هذه الأخرى 2019 .
وكل من يحلم من حقه الآن أن يتَمنى و أن يحلم.
أليس من حقنا وحقكم جميعا أن نحلم؟

هذه أرض الأحلام،واشراقات النبوة، وسنابك خيل الفاتحين، هذه أرض الشناقطة، الجمهورية الروحية الأولى في العالم العربي الإسلامي ، منذ عشرة قرون مزكاة.. ( جمهورية تبث المحبة بلا كراهية، وتنشر الأخوة بلا رشوة.)
منذ قرون جاهد تلامذة الأئمة ضد ثالوث:( الغزاة ، واالملاحدة، والشعوبين)…منهم من “نفوه”، ومنهم من “شنقوه”، ومنهم من “تلتلوه و سجنوه”.. . ألا يحق لتلامذة الإمام مالك، والإمام الجنيدي بعد عشر مباركة أن يُجددوا الحلم والامل؟
حتى الذين أكلوا من تراثهم، و شربوا من معين زُلا لِهم و اسْتنشَقوا من أريج جنانهم. لديهم فسحة من هذا الحلم، وهذا الأمل !
أجل بوسع تلامذة سيدي عبد القادر الجيلاني(561 هجرية)، وأبي الحسن الشاذلي(،656هجرية)، وأحمد البدوي الرفاعي(675هجرية)، وأبي العينين ابراهيم الدسوقي(676هجرية) قامات الذاكرين الله كثيرا والذاكرات،
أن يذكروا الله ذكرا كثيرا، ويسبحوه بكرة وأصيلا…فعهد الإجماع الوطني ومرشحه يجدد لكم الكراسَ واللوحَ ، والمِحبرة والقلم.
وبِوسع عشاقِ قادة تحرير القارة السمراء، قارتنا الفتية، واخوتهم في قارة آسيا، أن يتجدد أملهم في عهد يُعِز الأحرار وأبناء المقاومين، والابطالَ الشهداء.
عهد جمْعِ جُموعِ الأحرار ولمّ الشمل.

في هذا المنكب البرزخي كتب وسيكتب باذن الله، ثوارُ أغسطس، في( الألواح والأرواح)، ذكرا خالدا تليدا ، للقرءان (كلام الله جل في علاه)، ولسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وستُحمَى حِلَقُ العلم ومساجد الله من:”تأويل
الجاهلين، وتحريف الغالين ، وانتحال المبطلين”

هذا نهرو الراهب الهندي (1889-1964م) مضي إلى نحبه إماما في السلم ،(وبتواضعه )حرر الهند، ما قمع رأيا، وما أحتقر ملة، وما جلد أحدا بسوط، ولا أعطى الإنجليز عودا من أراك، ولا نقطة من (دينه الوثني).

يا( أبناء قيلة)يسعكم جميعا مرشحُ الإجماع الوطني، وعهد تكريم الآباء المؤسسين، والشهداء المقاومين؛ وأبطال التحرير.
لم الشمل، ورص الصفوف، يرحب بعشاق الزعيم الإفريقي المناضل مانديلا(1918-2013م )، والكونكولى الزعيم باتريس لمومبا(1925-1961م )، والشهيد الغيني كوامي نكروما(1909-1972م )

صناع ثورة أغسطس ونهجها، مُحِبون لكل قادة الحركات التحررية عربية كانت، اسلامية، لاتينية…… فهم يدركون أن انهارَ التحرير والأحرار مَصَبها واحدٌ. .”كل الطرق تؤدى إلى روما.”
ينهل ابطال التحرير في الجزائر من معين الإمام الناسك بن باديس(1889-1940م)، كما نهل أبطال التحرير في موريتانيا والمغرب من نهر زمزم الشيخ ماء العينين(1831-1910م)، ومن بلاد (ابن منظور) أخرَج الطليانَ أذلةً صاغرين ، نورُ الشهيد المجاهد عمرَ المختار(1858-1931م)، كما كانت ثورة عبد ناصر (1918-1970 م)ثمرة لثورة أحمد عرابي ضد الإنجليز (1879-1882م) وتراتيل حسن البنا(1906-1949م)، و كان ألقُ وعبق ثورة الشهيد صدام حسين(1937-2006م) ثمرةَ (انبعاث )لا يزال حنظلا في حناجر( الصفويين) الشعوبيين، وعملاء (ابْريمرْ )و أذناب وذئاب المحتلين.

في عهد مرشح الإجماع الوطني، والتمسك بنهج التداول السلمي للسلطة
يكون الدين لله، والحزب للوطن، ويستعيد أبناء المقاومة والتصوف السني، امامتَهم للصلاة وحِلق العلم في كنف (فضاء الدراعة والرحل، والتدينيت واللوح، والراحلة والملحفة)،
وتستوى (صافنات جياد ) العرب السمر، والعرب لحراطين، والعرب الفلان،ومساجد و”محاظر “سرقلة والولوف والبربر .. ومضارب (خيم وأخصاص) الزنوج والأمازبغ والبيظان في أطراف المعمورة ودول الجوار.. يأخذون جميعا ، زادهم من السلم الأهلي، ومن فقه الدين، ومن لغة القرءان، ومن تجربة التداول السلمي والحوار المتمدن… ومن الثروات البكر…ما طاب من هذه الجمهورية الثقافية والروحية التي تسمى حضارة الشناقطة .
حضارة نشرت أجيالُها اخوة لا أعداء لها، وبثت أنوار محبة لا كاره يكرهها.
فى مكة قبل خمسة عشر قرنا، ظن أنصارى حبر ومجاهد، أنّ دخول مكة سيكون حربا لا فتحا، فقال وهو يمسك بالراية في مقدمة الجيش:( اليوم يوم تذل فيه قريش).
وصل الخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فدفع الراية الى علي كرم الله وجهه. وقال له: خذ راية الفتح، ونادِ في مقدمة الجيش، بل اليوم يوم تعَز فيه قريش.. كأن الكريم بن يعقوب عليه السلام قام مقام العزيز، ويقرأ من سورة يوسف( لا تثريب)
اليوم تعبر موريتانيا إلى تنفيذ دسترة مبدإ وثقافة التناوب الديمقراطي .
لأول مرة نعبر إلى انتخابات رئاسية ، بلا مرحلة انتقالية، ودون وضعية استثنائية أو اضطرابات ، وهذا هو المنجز السياسي البارز.
والأبرز هو حصول البلد على مرشح الإجماع الوطني، الذي يطوى الخلافات، ويقرب المسافات ، ويوحد الجهات،
ويعبر كل الحواجز، ويفتح كل الفضاءات،..
إن هذا القرار الذي اتخِذ عن حصافة ووعي، هو الضامن الأوفر للسلم الأهلي، وانتظام السكينة، و الدِّحْض لكل خطابات الكراهية والتمييز ، التى تغذيها مظالم تاريخية،وحركات ايديولوجية
مهمشة ،وتدخلات خارجية يائسة وتمويلات مافيوية سالبة.

انها تجربة مؤاخاة بين الوطنيين من كل المشارب والتوجهات ، خاصة مشارب واتجاهات الأغلبية ، في مقابل معارضة مشخصنة، لا يزال بعضها يحن إلى عُهود وسنن (ذات أنواط)..

عهد اجماع أخوة لا يأكل قميصها ذئب ، ومحبة لا يفسدها فاسق جاءكم بنبإ، أو فر من اجماع.

بقلم:محمد الشيخ ولد سيد محمد/ أستاذ وكاتب صحفي.

تابعونا