معلم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يروي تجربته معه

12. ديسمبر 2018 - 12:21

كان ولي العهد السعودي المثير للجدل، محمد بن سلمان، بالكاد معروفاً في العالم الخارجي قبل أن يصبح محط اهتمام لدى كثيرين بعدما جعل نفسه الحاكم الفعلي لبلاده. في هذا التقرير، يقدم رشيد سكاي الصحفي في بي بي سي عربي والذي درس بن سلمان اللغة الإنجليزية عندما كان صغيراً - لمحة نادرة عن الحياة في القصر الملكي.
كنتُ أدرس في مدرسة "الأنجال" المرموقة في جدة عندما تلقيت مكالمة مطلع عام ١٩٩٦. وكان أمير منطقة الرياض، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، قد انتقل مؤقتاً مع عائلته إلى المدينة التي تقع على ساحل البحر الأحمر وكان أيضا بحاجة لمدرس لغة انجليزية لأطفاله.
واتصل الرجل، الذي سيصبح لاحقاً ملكاً، بالمدرسة لهذا الغرض وعليه فقد نُقلت على وجه السرعة للقصر الملكي كي أصبح مدرساً خاصاً لأطفاله من زواجه الثالث: الأمير تركي والأمير نايف والأمير خالد وبالطبع الأمير محمد.
عشتُ في شقة بالمنطقة الحديثة من المدينة وكان السائق يقلني في السابعة صباحاً الى مدرسة "الأنجال"، وبمجرد انتهاء الدروس هناك منتصف اليوم يأخذني إلى القصر.

بمجرد اجتياز البوابات ذات الحراسة المشددة، تمر السيارة بسلسلة من المنازل الفخمة التي تسحر الألباب بحدائقها المنمقة التي يتولاها عاملون بملابس عمل بيضاء. وكان هناك موقف للسيارات مليء بأسطول من السيارات الفاخرة الحصرية. كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها ما يشبه سيارة كاديلاك زهرية اللون.
عند وصولي القلعة (القصر) الملكي، يقودني إلى الداخل مدير القصر منصور الشهري وهو رجل في منتصف العمر كان الأمير محمد،الذي كان يبلغ ١١ عاماً آنذاك، مقربا إليه ومغرما به.

جهاز لاسلكي
بدا محمد أيضاً مهتماً أكثر بقضاء وقته مع حراس القصر بدلاً من متابعة دروسي. ولأنه أكبر أشقائه بدا أنه قد سُمح له بأن يفعل ما يحلو له.
وكانت قدرتي على جذب اهتمام الأمراء الأصغر تستمر حتى ظهوره، إذ لا زلت أذكر استخدامه خلال الدروس لجهاز لاسلكي استعاره من أحد الحراس، وكان يستخدمه لإطلاق تعليقات شقية حولي وتبادل نكات بين أشقائه والحراس على الطرف الآخر.

اليوم يشغل الأمير، الذي بلغ ٣٣ عاماً، منصب وزير الدفاع كما أنه وريث العرش السعودي منذ أصبح الحاكم الفعلي للسعودية، كما سعى بن سلمان إى تنصيب نفسه مجدداً للمملكة في مواجهة معارضة رجال الدين المحافظين، وقاد إصلاحات اقتصادية تحتاجها البلاد بشدة وبدأ برنامجا لجعل البلاد المحافظة جداً أكثر ليبراليةً.
تلقى الإطراء على بعض الإجراءات التي قام بها ولكنه أيضاً تعرض للانتقاد بسبب سجل بلاده في مجال حقوق الانسان وما يبدو أنها حرب لا تنتهي في اليمن ومؤخراً بسبب قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بتركيا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

أدانت السعودية أحد عشر شخصاً بارتكاب جريمة القتل الا أنها نفت أي ضلوع لولي العهد في الحادث.
ذات مرة فاجأني محمد عندما أخبرني أن أمه الأميرة قالت إنني أبدو كـ "جنتلمان حقيقي". ولم يحدث أن التقيتها فنساء العائلة المالكة السعودية لا يظهرن أمام الغرباء والمرأة الوحيدة التي التقيتها في القصر كانت مربية أطفال من الفلبين.
كنتُ غافلاً عن حقيقة خضوعي للمراقبة حتى اللحظة التي أشار فيها وريث العرش بأصبعه إلى كاميرات مراقبة على الحائط. منذ تلك اللحظة تملكني دائماً شعور بأنني مراقب خلال دروسي.
في غضون فترة قصيرة، أصبحت مولعاً بمحمد وأشقائه الأصغر فعلى الرغم من أنني كنت أعلم أمراء في عالم من الامتيازات، إلا أن تلاميذ القصر هؤلاء كانوا تماماً مثل تلاميذ المدرسة، فضوليون ليقبلوا على التعلم ولكنهم متحمسون للعب واللهو.

زلة
في أحد الأيام طلب مني منصور الشهري مدير القصر أن ألتقي الملك المستقبلي الذي يرغب في معرفة التقدم الأكاديمي لأطفاله. ظننت أنها قد تكون فرصة جيدة كي أناقش معه تجاوزاتالأمير محمد.
انتظرتُ خارج مكتبه إلى جانب مدرسين آخرين للأمراء بدا أنهم على علمِ ببروتوكول الديوان الملكي. عندما ظهر أمامنا، نهض المدرسون بشكلٍ غريزي وشاهدت رهبتهم عندما كان حاكم الرياض يقترب منهم الواحد تلو الآخر فينحنون ويقبلون يده وهو يسألهم بسرعة عن الأطفال قبل أن ينتقل للمدرس التالي.

عندما جاء دوري، لم أستطع الانحناء أمامه مثلهم رغم أنني حاولتُ جاهداً فعل ذلك. فأنا لم أفعل هذا من قبل، وقبل أن أتجمد في مكاني كليةً، مددت يدي وأخذتُ يد الأمير وسلمت عليه بقوة. أتذكر ابتسامة الاندهاش الخافتة على وجهه تلك اللحظة الا أنه لم يعقب على الأمر. أما أنا فلم أذكر أمامه ما كان يفعله محمد خلال الدروس. وقررتُ لاحقاً ترك كل ذلك والعودة للمملكة المتحدة.
لم يمض بعد هذا الموقف وقت طويل حتى تلقيت لوماً لاذعاً من السيد الشهري لإخفاقي في اتباع الاتيكيت الملكي (الالتزام بأصول التعامل الملكية).
باستثناء الأمير خالد الذي أصبح سفيراً لبلاده في الولايات المتحدة، اختار الأشقاء الآخرين الذين علمتهم أن يبقوا بعيداً عن الحياة العامة. أما أنا فأنظر الآن الى تلك الفترة الوجيزة كمحطة مميزة في حياتي وأراقب تلميذي السابق وهو يجوب المسرح العالمي.