ولد هنضي:الشعب الموريتاني مل العيش تحت نظام تتقاسم فيه الموالاة والمعارضة العداء

12. مارس 2018 - 13:11

القلم : بماذا توحي إليكم احدث الخرجات الإعلامية لرئيس الجمهورية التي صرح فيها بأنه لن يعدل الدستور طمعا في مأمورية ثالثة و التي تسببت في أثارة هيجان الساحة السياسية ،موالاة و معارضة ،كما لو أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز يصرح لأول مرة حول هذه القضية التي تشغل بال الجميع؟

محمد فال ولد هنضي: أظن انه انطلاقا من المواقف المعلنة و المتكررة للرئيس عزيز التي بدأت بتصريحه في شهر اكتوبر 2016 بقصر المؤتمرات و انتهت بتصريحاته الأخيرة لمجلة جون افريك ،لم يعد بالإمكان التشكيك في نيته بعدم الترشح للاستحقاقات الرئاسية المقبلة. إن هذا الإعلان المطابق لنص الدستور ،مرحب به على كل حال لأننا شاهدنا الكثير من رؤساء الدول في محيطنا الإفريقي الذين لم يتوانوا عن تدبير انقلابات دستورية من اجل البقاء قي الحكم بدافع التعطش للسلطة. أرى كذالك أن هذا الإعلان القوي أدى إلى تهييج الساحة كما تقولون و نتجت عن هذه الحالة مفارقات عجيبة. فمن ناحية ،صار الرئيس عزيز و لو لمرة ،حليفا موضوعيا للمعارضة في وجه الكثير من مناصريه و ذالك انطلاقا من تصريحاته المتكررة التي تؤكد مغادرته سدة الحكم. من ناحية أخرى و لأول مرة ،اتحد اخلص مؤيدي الرئيس مع اكبر مناوئيه في التشكيك في مغادرته للسلطة و ذالك لأسباب على طرفي نقيض من بعضها البعض. اعتقد أن تصريحات الرئيس هذه تمثل في واقع الأمر انطلاقة الحملة التمهيدية لرئاسيات 2019. ففي تلك السنة سيكون هنالك تداول كلي على السلطة في حالة ما إذا فازت المعارضة أو تناوب جزئي مع مجئ رئيس جديد حتى و إن كان من صفوف الموالاة. و في كلتا الحالتين ،سيؤدي ذالك التناوب على رأس هرم السلطة إلى حلحلة خطوط الفصل ما بين المعارضة و الموالاة ؛مما سيشكل مكسبا لا يستهان به لبلدنا و تجديدا لديمقراطيتنا الفتية مهما كانت الصيغة التي سيسوقها لنا القدر.

و في الدول التي لم تتعود بعد التداول على السلطة كبلدنا ،يشكل التناوب امرأ محمودا لكنه ينطوي على جوانب معقدة و مريبة لا يمكن التحكم فيها و إيصالها إلى الغاية المنشودة إلا من طرف طبقة سياسية مسئولة و ناضجة و لا يحدوها غير المصلحة العليا للوطن. أأمل و أرجو من الطبقة السياسية و المثقفة بكافة توجهاتها، أن تحضر الرأي العام من اجل ضمان خروج مشرف للرئيس عزيز.

فبهذه الطريقة وحدها سنتمكن، بدون هزات و تشنجات لا طائل من ورائها ،من فك عقدة الأزمة السياسية و إزالة التهديد الناتج عنها و الذي استمر طيلة المأموريتين السابقتين للرئيس المنتهية ولايته. و تبعا لذالك ،أتمنى من أعماق قلبي أن يكون الرئيس المقبل رئيسا "انتقاليا" سيسمح لموريتانيا بترقية مؤسساتها من اجل ضمان استقرار البلد و القطيعة النهائية مع دوامة الانقلابات في نفس الوقت سيقوم بالإصلاحات الكبرى الضرورية لوضع امتنا في مدار الأمم التي تعيش في القرن الواحد و العشرين.

القلم : قبل رئاسيات 2019، سينتخب الموريتانيون مجالس جهوية و بلدية بالإضافة الى النواب البرلمانيين. السؤال المطروح في هذه الحالة هو هل سيكون تسيير هذا المسلسل الانتخابي أحاديا كما تخشى ذالك المعارضة أم سيكون مشتركا لجذب المعارضة الراديكالية للمشاركة. من وجهة نظركم ،ما الذي يتعين فعله على الجميع من اجل أن تتجنب موريتانيا انتخابات مشكوك في نزاهتها و غير معترف بنتائجها غداة إجرائها ؟

محمد فال ولد هنضي: عند ما نكون بصدد مغادرة الرئيس لسدة للحكم ،فإن تهدئة الساحة السياسية هي بنفس أهمية التناوب على السلطة. لن يتفهم الموريتانيون أن يشأ الرئيس المنتهية ولايته أن يورث لهم حالة سياسية متفجرة في الوقت الذي يحضر فيه لوداعهم. و كما أسلفت ،يجب على الطبقة السياسية أن تمد يدها لبعضها البعض لتنجح معا في اجتياز هذه المرحلة الحاسمة من اجل مستقبل و استقرار بلدنا. و قي هذه الحالة ،تقع المسؤولية أولا على رئيس الجمهورية الذي يتوجب عليه أن يتنازل بعض الشيء لمعارضيه أكثر مما فعل في الماضي من اجل أن يترك للشعب الموريتاني و لخلفه حالة سياسية سليمة و متفق عليها و هادئة. أي خيار آخر غير التسيير المشترك لمسلسل الاستحقاقات الانتخابية القادمة، فلن يكون عملا غير مبرر و في غير محله فحسب، بل هو كذالك عمل غير مسئول و يطبعه نوع من انعدام التبصر و البصيرة فيما يخص المصلحة العليا للوطن. تلك المصلحة العليا التي يجب على كافة رجال السياسة وضعها فوق كل اعتبار مهما كان نوعه أو طبيعته. و إذا لم تتمكن طبقتنا السياسية ـ الموالاة أولا و المعارضة بعد ذالك ـ من أن تعي أهمية هذه اللحظة الفارغة و الفرص التي لا يجب أن تضيع على ديمقراطيتنا الفتية، فإنني اخشي أن يفوتنا القطار مرة أخرى.

لقد ملّ الشعب الموريتاني العيش السرمدي تحت ظل نظام سياسي تتناصب فيه الموالاة و المعارضة العداء المستحكم. آن لنا الأوان أن نكون دولة مثل سائر الدول الأخرى و بالأخص مثل دول الجوار الإقليمي حتى نتيح لأنفسنا فرصة لمعالجة المشاكل الجمة التي يعاني منها بلدنا. ينتابني شعور بأن الشعب الموريتاني سيعاقب بشدة ،من خلال الاستحقاقات الانتخابية القادمة ،كل الفرقاء السياسيين الذين سيحملهم مسؤولية حشره عبثا في دائرة الاحتقان. ليحيى إذا الحوار الشامل الذي سنقتصره هذه المرة على كيفية تنظيم الانتخابات القادمة الرئاسية و البرلمانية و الجهوية و البلدية ،نظرا للظرفية التاريخية التي نمر بها،

القلم : سيخلد الميثاق على ما أظن ذكراه الرابعة عما قريب. هل يمكنكم أن توضحوا لنا هل ستتم هذه التظاهرة بصفة متفرقة أو ستكون جامعة كما كان حالها في السنوات الأولى؟

محمد فال ولد هنضي: طبعا سيخلد الميثاق من اجل الحقوق السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للحراطين ضمن موريتانيا الموحدة ،العادلة و المتصالحة مع نفسها ،ذكرى إعلانه الخامسة و ليست الرابعة ،بتاريخ 29 ابريل المقبل. للأسف ،خلال سنة 2017 ،تم تخليد هذه الذكرى العزيزة بصفة متفرقة على مستوى مدينة نواكشوط وحدها بينما كان التخليد موحدا و شهد نجاحات باهرة قي كل من نواذيبو و أطار و ازويرات و كيفه و روصو و اركيز. نأمل في أن يتمدد التخليد هذه السنة ليشمل عواصم ولايات و مقاطعات جديدة أخرى. و فيما يخص الأسباب التي دفعت بزملائنا إلى السعي لتخليد منفصل ،فلا يمكنني أن أعطيكم جوابا شافيا؛ لكنني أظن أن الأمور ذات الطابع الشخصي هي التي أدت إلى السير في هذا المنحى نحو التفرقة. نستخلص من التفرقة في التخليد التي جرت السنة الماضية في نواكشوط درسا واحدا واضحا و جلي : ألا و هو أن خصوم الميثاق يبذلون قصارى جهدهم من اجل إفشاله عن طريق زرع الشقاق و النفاق و بث التفرقة و الشكوك بين صفوفه مع تلطيخ و تدجين ما استطاعوا ،نكاية و عداوة في هذا الحراك المجتمعي الجامع على الرغم من أن عمله يطبعه الإطار الشمولي و غير المتحيز. و كنتيجة لهذا الدرس المستفاد، فإننا لن نألو جهدا من اجل إفشال هذه المناورات الخسيسة و سنجد حتما أرضية مشتركة مع كل من هم مستعدون ـ بصفة نزيهة و خالية من الحسابات الأنانية ـ من اجل أن لا يخدم أبدا تخليد ذكرى الميثاق في نواكشوط الأهداف القذرة لأعداء قضيتنا. و فيما يخصني كرئيس للميثاق ،سأبذل كل ما في وسعي من اجل لم شمل الجميع بمن فيهم أولئك الذين شنوا علي شخصيا حملة تشويه و تضليل إعلامي شعواء من اجل الحط من قيمتي و التشكيك في مصداقيتي. لم أرد أبدا على تلك الحملات كي لا أغذي الجدل، و أتمنى أن يكون الجميع قد فهم أخيرا أننا لسنا أعداء لبعضنا البعض ، بل نحن في واقع الأمر حلفاء موضوعيون لأننا نزعم جميعنا أننا نحمل و ندافع عن قضية واحدة.

القلم : لقد صادق البرلمان الموريتاني هذه الأيام على قانون مناهض للتمييز. ما رأيكم حول هذا النص بصفتكم ممن يطالبون بالتمييز الايجابي ؟

محمد فال ولد هنضي: أظن أن هذا القانون تمت صياغته من اجل تكميم أفواه الناشطين في مجال حقوق الإنسان و ذالك بصناعة نصوص قانونية تمكن من جلبهم أمام المحاكم الجزائية. فهذا القانون ليس إذا إلا وسيلة قمع أخرى لن تكون لها من نتائج سوى تأجيج شعلة النضال من اجل اكتساب الحقوق المسلوبة. كم أردت أن يتعدى هذا القانون إلى تجريم الأفعال التمييزية بدل الاقتصار على الأقوال. و لو كان الأمر كذالك، أظن أن أية عدالة مستقلة ستوجه الاتهام أولا إلى جل أباطرة النظام الحالي.

القلم : انتم تعملون في مجال الحراسة و الأمن في موريتانيا. هل لكم أن تعطونا فكرة عن حالة هذا القطاع الذي تطبعه فوضى عارمة بالإضافة إلى كونه يشهد منافسة خارجة عن القانون ، حسب المعلومات التي نتوفر عليها. هل لديه مثلا إطارا منظما؟

محمد فال ولد هنضي: إن قطاع الأمن و الحراسة و نقل الأموال قد تمت إعادة تنظيمه سنة 2009 و 2011 بموجب القانون رقم 025/2009 بتاريخ 07 ابريل 2009 و المرسوم المطبق له رقم 066/2011 بتاريخ 23/02/2011. تحصر هذه الترسانة القانونية إمكانية امتلاك أسهم في شركات الأمن او العمل فيها على قدماء القوات المسلحة و قوات الأمن و كذالك المواطنون الموريتانيون الذين أدوا الخدمة المدنية. في نهاية سنة 2911، رخصت الحكومة الموريتانية ل18 شركة من اجل ممارسة مهنة الأمن الخاص للأشخاص و الممتلكات. مع بداية 2012، صدرت تعليمات من "المستوى الأعلى" كما يقال في المصطلح العسكري ،تأمر كافة هذه الشركات بالتجمع و الاندماج في هيكلة واحدة مسماة الموريتانية للأمن الخصوصي (). من اصل 18 شركة مرخصة منذ عدة أشهر، اندمجت 17 شركة في الهيكل العملاق الجديد. الشركة 18 و التي فضلت عدم الاندماج في الهيكلة الجديدة هي الشركة التي أسستها أنا و بعض زملائي سنوات قبل ذالك. من الأسباب البينة و الواضحة التي دفعتنا لعدم الاندماج في هذه الشركة، هي أننا من جهة، لم نعد عسكريين عاملين يتلقون الأوامر من قيادتهم و من جهة أخرى، فنحن في حقيقة أمرنا فاعلون اقتصاديون في مجال الأمن الخاص و يحكمنا قانون مدونة التجارة الموريتانية. لقد قدرنا أن اندماجنا في هذا الكونسورسيوم الأمني لا يخدم مصلحتنا التجارية و لذالك امتنعنا عن التجاوب مع هذه الطلبات الملحة. دفعنا جراء هذه المقاومة و رفض الاندماج ثمنا باهظا تمثل في منعنا من الحصول على أي عقد مع أي جهة عمومية كما صدرت لنا أوامر من قبل الإدارة العامة للأمن الوطني من اجل إغلاق مكاتبنا بحجة الممارسة غير الشرعية للمهنة. لقد تجاوزنا اليوم هذه المعركة القانونية و الإجرائية و لكن معركتنا من اجل البقاء لا زالت قائمة حتى اليوم بانتظار غد أفضل. و من المضحك المبكي في هذه القصة أنه في الوقت الذي توجه لنا الإنذارات الصارمة ـ نحن الذين يبدو أننا مذنبون بارتكاب جريمة الخدمة العسكرية المشرفة و نتوفر مع ذالك على التراخيص الضرورية لممارسة المهنة ـ توجد هنالك عناوين للأمن الخاص بدون أي أسس شرعية ، لكنها تواصل عملها بلا حسيب و لا رقيب و على مرآي و مسمع من كافة أجهزة الدولة المختصة. إن رغبة بعض رفاق السلاح القدامى في وضعنا دائما و أبدا بين أمران أحلاهما مر، لم تثمر أي شيء كما أنها لم تنتهي بعد. و في كل الأحوال، فإن هذه الوضعية غير المريحة لن تجعلنا نفقد توازننا كما أنها لن تؤثر على دوامة و منطق مقاربتنا للأمور.

المصدر جريدة القلم

تابعونا