جيل المستقبل : جيل المساجد، والجامعات ، والمصانع

2. مارس 2018 - 16:20
 محمد الشيخ ولد سيد محمد

الخليفة الراشد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- مؤسس الدواوين ، وفاتح بيت المقدس، وإمام العدل،وجه أجيال  الأمة المسلمة فقال: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله).

وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن  أسس بناء  الأجيال الصالحة، الذي بعث  الله به الرسل وأنبأ به  الأنبياء (الأخلاق) في مسند الإمام أحمد(8729): "إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ"، وعند البيهقي في الكبرى والشهاب في مسنده :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
ومبحثنا في الحلقة السادسة من نقوش على جدار الذاكرة هو كيف نبني جيل صناعة  الأخلاق، فما أحوجنا اليوم  إلى من يربي هذا الجيل ، وينتج هذه الصناعة التي كانت محاظرنا  مختبراتها، وأشجارنا أقلامها، ومضارب خيامنا وبساطة أعرشتنا مساكنها، وحلاب ومرق ضأننا غذاءها، وموسوعياتنا  العلمية رجالها، وأئمة النحيب من خشية الله قدواتها.
يبدأ  العارف عندنا  موطأ الأكفان، يرى من بين الصعاليك فتى لا يشق له غبار في حفظ المتون وإعراب الفتح والضم والسكون، و حياءه  الفطري جعل بينه وبين  الحرام حاجزا يقيه  من سوءات اللهو و المجون،  لا يزال بحمد الله في موريتانيا  بقية صالحة منهم ، رغم ما اجتاح الأرض الشنقيطية من زبد البحر، وغثاء السيل،  والحطمة، والوهن، والبقرات العجاف.، والوشاة ذي السويقين كالحبشي هادم الكعبة، والطغاة ، والغزاة من الرومان إلى الافرنجة، والبغاة، والإمعات، والأميلزة ، والمتصهينين، ولكيعات بن لكيعات في وحشة الوبر وغربة المدر...
ولولا هؤلاء الركع  ودموعهم، من أمثال العارف محمذا فال ولد متالي كما يقول شيخي محمد سالم ولد عدود رحمه الله ونضر وجهه يوم الدين، لغلبت على المبلسين شقاوتهم، ولمال البحر مسجورا  على الحفاة العراة  المتطاولين في البنيان  في صكوكو وتفرغ زينه ، وغربان  المترفين والمرابين من (أرباب المكوس وجالبي  النحوس).
يبدأ جيل الصالحين بالاستقامة الشخصية للأبوين ، وأن تكون الأخلاق سجية في السلوك لا رسما في السطور.
بناء روح النظام والمسؤولية، وتشجيع قيم الحرية والإبداع،  داخل البيت ومع المحيط والتنبه إلى سنوات المراهقة، ورفقة الأقران ، ومساحات الضوء، وأن يكون المربي يربي جيلا  للمستقبل، ولا يضيع جهده في واقع أزرى بالأفنان الثلاثة: البيت ، والشارع، والمدرسة..الوقت لا يضيع في الهدم والجرافات، ولكن في البناء  المستقبلي: بناء المعاني، وبناء المباني معا.
وهذا البناء المشترك يبدأ من فكرة ابن الخطاب التي جعلها المصلحون أساس بناء أجيال تنشئ نظاما عالميا اسمه الإمبراطوريات، هذا الإسلام العظيم سماء تظل الجميع، وارض تقل الجميع، تنبت العشب للجميع ، وتسقي بماءها الزلال الجميع، وفي عالم تطبعه فتن الشبهات وتستعمره فتن الشهوات، لا حل الا هذه الجاذبية الثقافية التي تضم بأخلاقها الإسلامية دون رشوة  أو إكراه، كل الأعراق وكل القوميات وكل الفئات.
صادق محمد عبدو حين يقول ان السلطة ثمرة تربية ، فلا تضيعوا أوقاتكم في السياسة بل توجهوا إلى مدارس  تجمع بين  خمس وسائل اقناع: الوحي ، والنبوة ، والاحصائيات ، والمرئيات،  والخرائط.
لا تضيعوا أعماركم في بناء جيل من المقلدين  والإمعات، والجدال قليل النفع ، بل  اصنعوا في بيوتكم  جيلا  لايقبل بين صفوفه  من يهجر الصلاة في المساجد ، أو يمنع الزكاة، أو يستحل الزنا والربا، أو يرضى أن يكون هاجرا لكتاب الله أو متساهلا مع الحج والعمرة، أو يقول ما لا يفعل.
نحن بحاجة  إلي جيل جديد  يغرف من فكر بن بيه  الموريتاني، ومن  ألق محمد مهاتير الأندنوسي، جيل يراهن على العلم أساسا، ومسارا، وعلى العلماء قادة وقدوة، وعلى الأخلاق والسلوك سجية وفطرة تغلق الحانات في القلوب والعقول، قبل أن تكسرقلالها وكؤوسها.، جيل حفظ القرءان، ومحبة القرءان، وصفات الأعمال الصالحة في الفرقان.
جيل جاذبية ثقافة الأخوة دون رشوة، وإشراقات  المحبة دون إكراه، وحقول مغارس تربية السلم ، وبناء جامعات العلم، وتخريج قيادات الحلم.
هذا الجيل المستقبلي هو نشأتنا، وهو ما يصلح بئتنا، وهو جيل رسالي لا عداوة له إلا مع الجهل، و النفاق، والكيد، والكذب.
ماذا عن المستقبل ان انتصر جيل الكؤوس  واليمين الغموس،  ومات جيل الراسخين في العلم ، ومن يزرعون الحياة والمحبة في النفوس؟
العالم اليوم لا يحكمه قطب ثروات  الأرقام  والأرصدة ، ولكن يحكمه من يملك صناعة الرؤي والأفكار.
والمستقبل ليس  للحروب والصراعات ، بل المستقبل للذكاء البشري والأخلاق الربانية
جيل الذكاء والأخلاق، جيل اللمسة الإنسانية  والأخلاق النبيلة،هو  ما ينقص البشرية اليوم،في صراعاتها وحواراتها.
لأن من يتقدم الساحات للأسف هم : جراحون وليسوا أخصائيين، مقاتلون وليسوا  ربيين، والربيون  جمعوا بين المراقبة والخشية ، لا يأبهون لملك سلب منهم ، ولا يلتفتون إلى عطاء وهب لهم.
مات أصحاب الأخدود وبقي ذكر من حرق من الموحدين ، ومات أصحاب الفيل وبقي صاحب الإبل وعمار البيت، وغرق فرعون في اليم وخلد الله  عصا موسي وتابوته، وذهب قارون وعصيبته خسفا ، وآية عزير و بعث حماره عبرة لمن يموت ويبعث.
ألم تكن فروق التربية والهداية والعصمة، بينة في  كل من قصص الضعفاء والمتكبرين هذه؟
ألم  تكن مآلات  الطرفين آيات  لأجيال العارفين، ومن يساق من المجرمين  إلي جهنم وردا؟
إن الخير لا يأت إلا بالخير.
هل تنصرون إلا بضعفائكم؟
هل ترزقون إلا بضعفائكم؟
أنا رب الإبل وللبيت رب سيحميه.
سئل عبد الله بن المبارك عن التواضع فقال: هو التكبر على الأغنياء.
قالها موسي هاربا إلى مدين، خائفا يترقب: عسى ربي أن يهديني سواء السبيل، وقالها وهو يقف بقومه بين لبتين ومخافتين : كلا إن معي ربي سيهدين.
كم ربيا قال : إن معي ربي  رزاقا وهاديا.، وتوجه  منزها  وهو يقول :اللهم إياك نعبد وإياك نستعين.