عاد الجدل للاحتدام أمس في موريتانيا حول النشيد الجديد الذي أقر في استفتاء الخامس من أغسطس الماضي، بين منتقديه من المعارضة والشعراء ومؤيديه من الأوساط الرسمية، بعد أن أقرته الجمعية الوطنية في جلسة انتقدت هي الأخرى لانعقادها بـ 47 نائبا فقط من 147 حيث صوت للنشيد 45 بـ «نعم»، وصوت نائب واحد بـ «لا».
ورفض نواب المعارضة وغالبيتهم من الإسلاميين، اعتماد النشيد الجديد، مؤكدين رفضهم المساس بالرموز الوطنية خارج إجماع وطني، بينما دافع وزير الثقافة عن النص الجديد مشددا على «أن النشيد الجديد يأتي تنفيذا للإصلاحات الدستورية والقانونية التي اقترحها المشاركون في الحوار السياسي عام 2016».
وأسهب الوزير في مداخلة استمرت ساعتين أمام البرلمان في شرح أسباب تغيير كلمات النشيد الوطني المعتمد منذ استقلال موريتانيا في ستينيات القرن الماضي، مبرزا «أن النشيد الجديد يتضمن الإشادة بالـوحدة الوطنية ودور المقاومة في طرد المستعمر، كما أنه نص أنتجه نخبة من الشعراء والأدباء والكتاب والنقاد».
ورفض نواب المعارضة إقرار النص الجديد مؤكدين في تدخلات عديدة أنه «لا يمثل الموريتانيين، كما أن إقراره جرى في جو غير توافقي وهو ما سيمس من هُـوية البلد ويعمق الشرخ بين الموريتانيين».
وشددت زينب بنت التقي النائبة عن حزب التجمع الوطني للإصلاح المعارض على أن «النشيد الجديد مرفوض نصا وروحا كونه يفتقد الشرعية».
وفيما صودق على النشيد الجديد في الجمعية الوطنية، تابع مدونو المعارضة حملاتهم ضده على صفحات التواصل، ووزعت مجموعة من الشعراء والكتاب عريضة تدعو النواب لرفضه وعدم اعتماده.
وتحت عنوان «لكم النقود فاتركوا لنا النقد» دوَّن الشاعر الكبير آدي ولد آدبه رادا على مداخلة وزير الثقافة أمام البرلمان يقول: «لن أناقشكم في النقد، والحكم على النصوص الشعرية عموما، وتحليلها، والموازنة بينها، لأن ذلك ليس من اختصاصكم، والعلوم الإنسانية كلها في نظر حكومتكم الخارقة، سخافات حكمتم على المختصين فيها، من مواطنيكم، باستثناء «التابعين غيْر أولِي الإِرْبَةِ» السياسية المُخالفة، بالإبادة الجماعية، منذ أعلنت قلة الأدب حربها على الأدب.»
وأضاف «السيد وزير الثقافة المحترم.. ليس لي الحق في الرد على أي رأي انطباعي غير مؤسس نقديا حول مستوى نشيدي، لكن ما وجدت نفسي مضطرا للرد عليه، هو وصفك لنا نحن الشعراء الناقدين لنشديكم المقترح بــ «الحاسدين» لأقرانهم، الغاضبين لحرمانهم من المشاركة في «لجنة النشيد الوطني»؛ فأنا– لله الحمد- لا مكان في قلبي للحسد، لاسيما بالنسبة للشعراء المبدعين، الذين اعترفت بمكانتهم العالية، وبأن كل واحد منهم قادر- بمفرده- على كتابة نشيد أفضل مما لفَّقت «الجماعة»، وقد أكدت أيضا، أن «نشيد الجماعة» ليس أسوأ أناشيد الدول العربية، ولكنه دون ما تستحقه موريتانيا فقط، وما ينتظر من «بلاد المليون شاعر»، المؤسطرة في الذاكرة الجماعية.»
وتابع ولد آدبه رده على الوزير قائلا «أما عن تهمة المُغاضَبة لعدم إشراكي في عضوية لجنة النشيد تلك، فقد كانت خلاصة أول تدوينة لي حول الموضوع، بعد إلحاح السائلين عن رأيي، هي أني لن أعلق على اللجنة نفسها، أما عن عدم وجودي شخصيا ضمنها، فأنا سعيد به، وهو الطبيعي بالنسبة لي، ونقيضه هو الغريب العجيب.. لقد قررت بإملاء من سلطان منظومة الأخلاق التي أومن بها، أن أنتبذ مكانا قصيا، عن مستنقعات كل الأحكام المتعاقبة على بلدي.. في انتظار أن يأتي الحكم الذي أجد فيه نفسي، ولا أجد غضاضة في التعامل معه.. وظني أنه لن يأتي.. في القريب المنظور على الأقل».
«لكني، يضيف الشاعر آدبه، أعرف أن منبر الناطق باسم الحكومة، مُرْتقًى صعْب، لا سيما في الدول ذات الديمقراطية الناقصة، التي يكون الوزراء فيها رهناء، أكثر مما هم طلقاء، وتكون أولى مهمات الناطق الرسمي باسم الحكومة فيها، هي «تحريف الكلم عن مواضعه»، والتنجيم عن النيات، رجما بالغيب… وإلا……. لذلك أسامحكم».
وضمن هذا السجال المتواصل حول النشيد الجديد، عرض محمد الأمين ولد الفاضل القيادي في المعارضة الموريتانية أمس ما سماه «العقبات التي تقف أمام النشيد الجديد» مؤكدا أن أولاها هي أن النشيد لم يجزه أهل الاختصاص، والثانية أن البرلمان الموريتاني قد أسقطه سياسيا، أما الثالثة فتتمثل في أن فكرة تجديد النشيد قد جاءت في الأصل من جهات معادية للشعر وللعلوم الإنسانية، وبالتالي فهي غير مؤتمنة على تغيير النشيد الوطني لبلاد المليون شاعر».
وأضاف «إن جلسة تمرير مشروع النشيد الجديد لم يحضرها الثلث كاملا، وقد تغيب عنها ما يزيد على الثلثين (100 نائب تحديدا) ..لم يصوت في هذه الجلسة من النواب البالغ عددهم 147 إلا 47 نائبا، صوت 45 منهم بـ «نعم»، وصوت نائب واحد بـ «لا»، وامتنع آخر عن التصويت.، وبمنطق الرئيس في مؤتمر الصحافي الذي أعقب إسقاط الشيوخ للتعديلات الدستورية، فإنه لا يحق لـ 45 نائبا أن تجيز مشروع نشيد رفضه الشعب الموريتاني».
وتحدث القيادي المعارض عن شكوك حول بواعث تغيير النشيد، فأوضح أنه «
من العوائق التي تقف في وجه مشروع النشيد الجديد وتحيل دون تقبله هو أن الرئيس الذي يصر على تغيير هذا النشيد قد عبر في أكثر من مرة عن عدم إعجابه بالشعر وبالشعراء، وقد انتقد في أكثر من مناسبة العلوم الإنسانية، الشيء الذي قلده فيه بعض أعضاء حكومته، وبمن فيهم وزير الشباب والرياضة والذي كان هو آخر من انتقد تلك التخصصات في برنامج تلفزي».
«الشيء المؤكد، يضيف الفاضل، هو أن هذا الإصرار على تغيير النشيد الوطني لا علاقة له إطلاقا بالاهتمام بالشعر والشعراء.. إنه مجرد تغيير في إطار حزمة من التغييرات والإلغاءات التي شملت حتى الآن العلم الوطني ومجلس الشيوخ، ما يعني أن الأهداف من وراء هذه التغييرات والإلغاءات قد لا تكون تلك الأهداف المعلنة حتى الآن».
يذكر أن هذه المواقف تعكس جانبا من السجال السياسي المحتدم في الساحة الموريتانية منذ أن بدأت الحكومة في عرضها للتعديلات الدستورية التي رفضها مجلس الشيوخ وأُجيزت باستفتاء شعبي في أغسطس/آب الماضي بنسبة تجاوزت 80% وقاطعته المعارضة، وتضمن تغييرات عدة بينها استبدال العلم وتغيير النشيد وإنشاء مجالس جهوية وإلغاء الغرفة الثانية من البرلمان.
القدس العربي