انواكشوط "موريتانيا الحدث " : - أشعلت قناة «دويتشه فيله» الألمانية جدلا كبيرا في موريتانيا بين الشباب والحكومة من خلال تقديمها أمس حلقة جديدة عاصفة من برنامجها «شباب/توك» من العاصمة الموريتانية نواكشوط مخصصة لانعكاسات البطالة على الشباب.
واضطر منظمو هذه الحلقة التي قدمت من قاعات المتحف الوطني، لإيقاف البرنامج قبل وقته بعد أن وصلت سخونة النقاش لمستويات عالية بين الحاضرين الثائرين من الشباب ووزير الشباب والرياضة في الحكومة الموريتانية محمد جبريل.
وانتقل النقاش والجدل بعد ذلك لصفحات التواصل الاجتماعي بين الوزير وعدد من مدوني الشباب الغاضبين من البطالة وانسداد أفق الحياة أمامهم بعد تخرجهم من الجامعات. وأكد وزير الشباب محمد جبريل في تدوينة له أمس «أن قبوله المشاركة في البرنامج يدخل في إطار تبني الحكومة نهج الحوار والانفتاح كمقاربة لمعالجة القضايا الوطنية بشكل عام والقضايا الشبابية بشكل خاص».
وقال «تم خلال هذا البرنامج التطرق إلى أسباب البطالة في صفوف الشباب الموريتانيين برغم الجهود الجبارة التي قامت بها الحكومة، ووجود فرص كثيرة للعمل في السوق المحلية، ومن ضمن هذه الأسباب: العقلية المجتمعية، بغض النظر عن المؤهلات العلمية لدى شبابنا، وقد قدمنا رؤية تنطلق من الواقع مفادها أن فرص التشغيل مبنية على مبدأ العرض والطلب، وأن عدم ملاءمة بعض التخصصات لا يمكن أن يكون عائقا أمام تشغيل وعمل شبابنا، وأن المشكل يكمن في عزوف أو امتناع أو حتى تكبر أكثرية شبابنا عن مزاولة الأعمال المتاحة، وتركها للعمال الأجانب برغم ما توفره من دخل باهظ». «إلا أن بعض الأطراف السياسية عادتهم، يضيف الوزير جبريل، يخرجون الكلام عن مواضعه، حيث حاولوا إخراج الموضوع عن سياقه وتأويله إلى صدام بين التخصصات أو تفضيل بعضها على بعض، وهو إفلاس في الخطاب وتغطية بائسة على عقلية اجتماعية يجب تغييرها، وذلك ما جعلني أُصِرُّ على أن أتساءل: كيف يعقل أن يتم في بلادنا احتكار فرص العمل في مجال الصيد من طرف الأجانب في الوقت الذي يبرر بعض شبابنا عزوفه عنه بذريعة الخوف من البحر؟ وكيف يمكن في القرن الواحد والعشرين أن يعتبر بعض شبابنا العمل في مجال الزراعة مذمة ومنقصة؟ وكيف يعقل سيطرة الأجانب على قطاع الخدمات في بلادنا: من مطاعم ومقاهي وورشات العمل اليدوي، في الوقت الذي يجلس بعض شبابنا متفرجين. متذمرين ومشتكين من البطالة؟ وكيف يعقل أن يتم في بلادنا احتكار فرص العمل في مجال البناء من طرف الأجانب من دون منافسة تذكر من شبابنا لا في مرحلة البناء ولا في مرحلة تسقيف المنازل، ولا في مرحلة طلائها ولا حتى في مرحلة الزخرفة، في الوقت الذي تفتح فيه مراكز التكوين لهذه المجالات أبوابها للشباب الموريتانيين فيتكبر بعضهم فلا يقبل عليها، وإن أقبل وتخرج، لا يعمل فيما تخرج من أجله، برغم الأموال الطائلة التي تعود على العاملين فيها؟، ألم يقبل الشباب الموريتانيون، يضيف الوزير، العمل في الخارج في المجالات المهنية نفسها التي يتكبرون عن العمل فيها في بلدهم، عندما رأوا بأم أعينهم أن المجتمعات قد تخطت تلك العقد الاجتماعية وأدركت يقينا أن العمل كله شرف؟ ثم ألم يتم تشغيل أغلب الشباب في مجال الجيولوجيا لما شهدت بلادنا طفرة في مجال المعادن عندما ارتفعت أسعار المواد الأولية؟ ألم يتم تشغيل أغلب الشباب الدكاترة ذوي الاختصاصات الطبية لما شيدت المستشفيات على عموم التراب الوطني؟ وتحدث الوزير في تدوينته عن «افتتاح أكثر من 26 مركزا للتكوين والتدريب المهني، كي يتسنى للشباب (الحاصلين على شهادات، وغير الحاصلين عليها) الراغبين في الحصول على مهارات تمكنهم من الولوج إلى ما تم ذكره آنفا من فرص العمل، كما تطرق لافتتاح أكاديمية في مجال الصيد تضم مختلف أسلاك المهنة، من صيادين تقليديين ومهندسين وجامعيين، وإصدار استراتيجية لقطاع الصيد ترتكز على مرتنة الوظائف المتاحة في القطاع، وخلق فرص للاستثمار المحلي يمكن من خلالها استفادة ودمج أكبر عدد ممكن من الشباب الراغبين في ممارسة المهنة».
وتطرق الوزير كذلك لإنجازات أخرى لحكومته بينها «افتتاح مدرسة عليا للهندسة بتخصصات متعددة، ستمكن من سد حاجات البلد من المصادر البشرية الشابة ذات الكفاءة العالية في مجالات قطاع المعادن والتقنيات الجديدة والكهرباء والميكانيكا، والهندسة المدنية والبناء، وافتتاح معهد فني عالي للزراعة في روصو يتم من خلاله تكوين الفنيين الشباب المتخصصين في مجالات مختلفة يحتاجها سوق العمل»، مؤكدا «أن الحكومة عمدت إلى إجبار الشركات الأجنبية العاملة في بلادنا على توظيف الموريتانيين أولا قبل اللجوء إلى الخبرات الأجنبية». وانهالت ردود كثيرة على الوزير من مدونين شباب كان أبرزها ما كتبه الشاب الإعلامي محمد بدين الذي أكد «أن وزير الشباب والرياضة حاول امتصاص الغضب المتوقِّد لدى بعض الشباب، كعادة وزراء النظام الحالي اندفع الوزير في ذكر قائمة إنجازات قامت بها الحكومة، ولم تكن اللائحة طويلة طبعا، لكن الوزير بدا مُتحاملا على الشباب الموريتانيين وحاول تحميلهم كل ما يعانون من بطالة، واسترسل في ذكر نماذج متعددة من ترفُّع الشباب الموريتانيين عن العمل وإخلائها للأجانب.»
«قد يكون الوزير مُحِقا في بعض ما قال، يضيف الشاب بدين، لكن الوزير يعلم علم اليقين أن عشرات الآلاف من الشباب الموريتانيين العاطلين من العمل لا تتوفر لديهم أية فُرص للعمل، ولا يكترث كثير منهم بنوعية الفرص التي قد يحصلون عليها، لكن الفرص غير متوفرة أصلا، قد يطول السبب في شرح أسباب البطالة، لكن معظم – إن لم نقل كلَّ – أسباب البطالة تنحصر في فشل المقاربة التنموية واستشراء الفساد وسوء التسيير، أي أن المشكل ليس مشكل الشباب الموريتانيين، بل مشكل نظام فاشل».
ورد الشاب سعد حمادي منعش حراك «موريتانيا الغد» على الوزير مركزا على انتقاد الوزير تخصص الشباب في مجالات دينية وأدبية لا يتطلبها سوق العمل حيث خاطب الوزير جبريل قائلا «معالي الوزير، هل تعلم أن الرياضيات من دون السوسيولوجيا لم تعد لها فائدة وأن العالم يتجه لتدريس الرياضيات والسوسيولوجيا تخصصا واحدا، ذلك أن وجودنا يقوم على معادلة رياضية وأخرى سوسيولوجية ؟؟، وهل تعلم أن السياسة التي أوصلتك لمنصبك لا علاقة لها بتخصصك، وأنها تخصص من تخصصات العلوم الاجتماعية، وأنك لولاها لكنت الآن متعاونا في جامعة نواكشوط اليتيمة أو أستاذا في إحدى ثانويات مثلث الفقر – إن كنت ستذهب لها- ؟؟
وعلق الشاب المعارض سعد حمادي في تدوينة أخرى على حلقة «شباب/توك» فأوضح «أن الحلقة أظهرت أن الشباب الموريتانيين يَغلون ويقتربون من الانفجار بسبب المشاكل التي راكمها هذا النظام وأهمها البطالة».
وقال «لا أحبِّذ شخصيا أسلوب القدح والضوضائية وأحسب ذلك على بعض الشباب، لكنني أيضا ألتمس لهم العذر، فكيف ترضى لشباب درسوا وكدُّوا من أجل وطنهم أن يُحملوا مسؤولية فشل سياسة حكومتهم؟ أنا شبه متأكد من أن شبابا آخرين في بلد آخر كان بإمكانهم رمي الوزير بالحِذاء أو رميه هو نفسه خارج القاعة».
وقال «شَفَعَت للوزير رزانته وهدوءه وإن كان ارتكب خطئا كبيرا عندما خاطب إحدى الأخوات بأنه كان يجب عليها أن تكون درست تخصصا علميا بدل التخصصات الأدبية والإنسانية، وأعتقد أنه يجب أن يُقدِّم لها ولكل الدارسين في الحقول الأدبية اعتذارا واضحا عمّا بدر منه».
وركز الإعلامي المعارض أحمدو الوديعه في تدوينة له على الزخم الكبير الذي حظي به برنامج «شباب توك» على مواقع التواصل الاجتماعي الموريتانية، حيث أرجعه لأسباب منها «أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي في موريتانيا تفاعليون بشكل لافت، وليس جديدا أن «التفاعلية» الموريتانية تكون أكبر مع الخارجي وبالذات حين يكون مشرقيا وهذه خاصية ثقافية ونفسانية لقطاع معتبر من النخب الموريتانية منذ القدم.»
القدس العربي