انواكشوط "موريتانيا الحدث " : - تشهد مدينة انواكشوط، وبعض المدن الداخلية تزايدا ملحوظا في أعداد العيادات الطبية الخاصة، التي باتت تتناسل بشكل ملحوظ، وتنتشر في الأحياء الغنية، والفقيرة على حد سواء، فالمواطنون يقولون إن الأطباء، والأخصائيين القائمين على هذه العيادات هم مثل شركات الاتصال، لا تغادر صغيرة، ولا كبيرة مما في جيب المواطن، فهي تنتج له بطاقة رصيد 10000 عشرة آلاف، وبطاقة 3000، وبطاقة 100 أوقية، حتى تستحوذ على ما في جيب الغني، ومتوسط الدخل، والفقير، الذي ليس في جيبه سوى ثمن قطعة خبز واحدة.
ذلك هو حال العيادات الطبية الخاصة تماما – كما يقول بعض المواطنين-، ومن يقرأ اللوحات الموجودة على واجهة هذه العيادات، يخيل إليه أنها تـُبرئ الأكمه، والأبرص، وتحيي الموتى – بإذن الله-، وعندما يدخل العيادة، أول ما يغشاه هو المـُحصل، الذي يحرص على استنزاف ما في جيبه، بأوصال، يقطعها قبل أن يقابل الطبيب، أو الأخصائي، وعندما يدخل عليه، يبدو تركيزه على تخليصه مما معه من نقود أكبر من تخليصه من المرض الذي أحضره أصلا، ويقول بعض المترددين على هذه العيادات إن هناك "تواطؤا" بين الأطباء والأخصائيين من جهة، وأصحاب المختبرات الطبية من جهة أخرى، بحيث يفرض الأطباء على كل مرضاهم إجراء فحوصات متعددة قد لا تكون ضرورية، وهدفها أن يحصل أصحاب المختبرات على الأموال.
كما يلاحظ المواطنون حرص أصحاب العيادات على إقناع زبائنهم بإجراء عمليات جراحية، قد تكلفهم حياتهم في العديد من الحالات، ومن يذهب بعدها إلى الخارج للعلاج يخبره الأطباء هناك أن العملية الجراحية التي أجراها لم تكن ضرورية، وقد تكررت هذه الحالات كثيرا، لكن أصحاب العيادة أقنعوه بإجرائها حتى يأخذوا منه مبلغا كبيرا مقابلها، ولا تهمهم حياته بعد ذلك.
خلال إعدادنا لهذا التحقيق، التقينا برجل في مطلع الخمسينات من عمره، وهو عسكري، روى لنا قصه مع إحدى هذه العيادات، حيث قال: إنه كان يعاني من آلام حادة في الظهر، لا يستطيع معها ممارسة عمله، فذهب إلى أحد الأخصائيين، ومباشرة أقنعه بضرورة إجراء عملية جراحية مستعجلة، لكن العسكري المريض- ومشروع الضحية- طلب من طبيبه بكل هدوء أن يمنحه راحة طبية لمدة أيام، ليذهب إلى الطب التقليدي، ويجرب لعلهم ينجحون في علاجه دون اللجوء للعملية الجراحية، وإذا لم يتم ذلك سيضطر لإجرائها.. كيف كان رد الأخصائي هذا..؟.. رد بغضب شديد، قائلا بالحرف " أنت ازويكل، نحن أشلن بانشكوك انت، وانسو أيدين بدمك"، وكأنه مجرد حشرة نجسة، وليس بشرا مكرما..! غضب المواطن حينها من رد الطبيب، وخرج، ويضيف.. ذهبت إلى أحد الأطباء التقليديين، وعالجني لمدة أسبوعين، وقد شـُفيت تماما من تلك الآلام، وها أنا اليوم أزاول عملي دون أية مشاكل، وقد كان ذلك الأخصائي يريد أن يشق ظهري، ليأخذ مني مبلغا من المال، ولا تهمه حياتي بعدها!.
وتبدو الحاجة ماسة لتدخل السلطات المعنية لضبط الانتشار الفوضوي لهذه العيادات أولا، ولفرض معايير السلامة، والصرامة الطبية داخلها، والأهم من ذلك، لوضع حد لجشع الأخصائيين، والأطباء، ومنعهم من امتصاصا جيوب الفقراء، لأن الأثرياء يذهبون إلى دول خارجية للعلاج، وقد كشف وزير الصحة قبل أيام في رده على سؤال ل(الوسط) عن أن عدد الأخصائيين في البلد يبلغ 271 أخصائيا، وإذا كان لكل واحد من هؤلاء عيادته الخاصة، فضلا عن عيادات الأطباء العامين، والممرضين، فالكل بإمكانه استئجار غرفة في حي شعبي، ويكتب على واجهتها أنها عيادة للأسنان، أو أمراض النساء، أو أي تخصص يحلو له.
يتواصل..