انواكشوط "موريتانيا الحدث " : - تمكنت قناة «المرابطون» الفضائية الموريتانية المستقلة المحسوبة على الإسلاميين أمس من حل مشكلتها وديًا مع إدارة الضرائب التي أغلقت مقرها الاثنين عدة ساعات، وأخرجت عمالها من البناية بحجة عدم سداد المستحقات الضريبية.
وقوبل إغلاق مقر القناة بتنديد واسع من المدونين ومن نقابة الصحافيين الموريتانيين التي زار مكتبها التنفيذي مقر القناة تضامنا معها ومع موظفيها.
وتواجه القناة التي توصف بأنها أكثر الفضائيات المحلية المستقلة مهنية، مشكلة أخرى مع شركة البث الإذاعي والتلفزي التي أرسلت لها إخطارا بضرورة تسديد ديون متأخرة تبلغ 300 مليون أوقية (نحو 800 ألف دولار).
وأكدت شركة البث الإذاعي في توضيح نشرته أمس «أن تعليق خدمة بث بعض التلفزات التجارية ضمن الباقة الموريتانية على القمر الصناعي عرب سات بدر 4، يأتي بعد حملة تحصيل بدأها البث الإذاعي والتلفزي الموريتاني لاستيفاء جزء من مستحقاته على هذه المؤسسات التي أصبحت عائقا كبيرا لتنمية الشركة بل لاستمرارية خدمة البث العمومي الذي تتولى تأمينه». «وقد بدأت هذه الحملة، يضيف البيان، بالرسالة التي وجهتها المؤسسة في 19 أكتوبر 2016 لزبنائها لتحسيسهم بضرورة تسديد نسبة ضئيلة من الديون المستحقة عليهم مع إمكانية إعادة جدولة الباقي أقساطًا مريحة».
وأوضحت الشركة «أنه بعد التأكد في 11 مايو/ أيار 2017، من عدم الاستجابة للرسالة السابقة أصدر البث الإذاعي والتلفزيوني إشعارا بتعليق خدمة بث التلفزات التجارية وككل مرة يؤكد مسيرو هذه القنوات اعترافهم بديون الشركة وبجودة الخدمات المقدمة لهم معربين عن عدم قدرتهم على تسديد المستحقات في الوقت الراهن ومطالبين بمهلة إضافية».
«وعند نهاية المهلة الثانية، يضيف البيان، قام البث الإذاعي والتلفزيوني وبالتحديد يومي 19 و20 سبتمبر/ أيلول 2017 الماضيين، بإجراء سلسلة لقاءات مع مسيري كل قناة تلفزة على حدة وتم إطلاعهم على حجم المستحقات وعزم الشركة تطبيق إشعار التعليق السابق مع الإبقاء على المبلغ ذاته(نسبة ضئيلة من المتأخرات في 30 يونيو 2016) أي ما يعادل ثلاث فواتير ربع سنوية في المتوسط من أصل 20 فاتورة»، وقد حُدد منتصف نهار الثلاثاء 17 اكتوبر 2017، (الساعة 12:00) كآخر موعد لتطبيق إشعار التعليق وذلك طبقا للعقود الموقعة والمراسلات المذكورة.» ومع أن هذه القضية على ما يبدو، قضية مالية وجبائية، فقد أثارت تنديدا واسعا بين المدونين الموريتانيين واعتبروها تضييقا مقصودا لحرية الإعلام من طرف الحكومة. وكتب المدون الإسلامي البارز أحمدو وديعة الذي يقدم برنامج «في الصميم» داخل القناة تدوينة قال فيها: «بالأمس « الهابا» واليوم الضرائب وغدا شركة البث؛ تعددت الأدوات والحقيقة القمعية واحدة.» وأضاف «اليوم بذريعة الضرائب، وغدا بمشجب شركة البث، هناك أمر ما يجري تبييته يقتضي تغييب المشاهد».
وتعمل في موريتانيا منذ فتح الفضاء السمعي البصري عام 2010، خمس قنوات تلفزيونية خاصة هي شنقيط، الوطنية، الساحل، المرابطون، دافا.
ويدق المشرفون على الإذاعات والقنوات الموريتانية الخاصة، منذ فترة ناقوس الخطر للتو إزاء ما يعتبرونه بداية «احتضار الإعلام السمعي البصري الخاص في موريتانيا الذي أقرت الجمعية الوطنية الموريتانية قانون تحريره يوم 3 يوليو/تموز 2010 منهية احتكار الدولة لمجال البث الإذاعي والتلفزي، ومحولة الإعلام الحكومي إلى «إعلام عمومي».
فقد توقفت إذاعات «نواكشوط الحرة» و«موريتانيد» و«صحراء ميديا» الخصوصية عن البث بينما تحاصر المصاعب المالية القنوات والإذاعات الخاصة الأخرى.
وعرض الصحافي البارز الحسن ولد مولاي علي مدير إذاعة «التنوير» الحرة في تدوينة له تحت عنوان «إنجاز يحتضر!!»، الأزمة التي يواجهها القطاع الخاص السمعي البصري، فأكد «أن تحرير الإعلام السمعي البصري في موريتانيا، أتاح، برغم ما اكتنف العملية برمتها من ارتجالية وقصور وتقصير، تعددية فريدة لا عهد للمجتمع بها منحت المتلقي خيارات متعددة، والأهم من ذلك أنها مكنت الجميع من التعبير باللغات التي يحسنونها، عن مواقفهم وآرائهم المتعلقة بالبلد وأهله، ماضيه، وحاضره ومستقبله فضلا عن أن هذا التحرير منح الواجهة الديمقراطية لبلدنا مصداقية ووجاهة عز نظيرها في ديمقراطيات العالم الذي ننتمي إليه، كما منحنا موقعا متقدما في حرية الصحافة والإعلام، طبقا للتصنيفات المعتبرة».
«لكن القطاع السمعي البصري الخصوصي، يضيف واجه منذ اليوم الأول مشاكل بنيوية حقيقية، تمثلت في إعراض المستثمرين عن الولوج إليه، الأمر الذي اضطر الحكومة إلى الاستنجاد ببعض التجار المقربين لإنقاذ الموقف، واضطرها أخيرا إلى منح رخص أخرى لعدد من الهواة، ولما لم يكن من الوارد أن تجنى الأرباح من المؤسسات الإسمية الوليدة، خاصة مع ضيق السوق، وغياب القانون المنظم للإعلان التجاري، وغياب الدعم العمومي للقطاع، ورد المستثمرين من التجار أيديهم إلى أفواههم، فلم يجدوا بدا من التوقف عن الإنفاق بلا عائد، على مؤسسات تقدم خدمات عمومية بحت، وهكذا بدأت الهيئات الناشئة طريق الانحدار والتراجع، في اتجاه الانهيار الكامل، حيث اختفت حتى الآن محطتان إذاعيتان، ولا تزال البقية تغالب المصير المجهول».
وزاد ولد مولاي علي قائلا « إن الإنجاز الذي تحقق بتحرير القطاع السمعي البصري، هو ملك للجميع، بلا شك، لكن الفضل فيه يعود إلى المؤسسات الإعلامية ومن أنشأها وكان إنشاؤها مكلفا جدا، وبلا مردود مادي على أصحابها، ذلك ثمن الإنجاز وقد تحقق، ورفد الخزانة العامة بعشرات الملايين، دفعت رهانا مقبوضة عن الرخص، لكن المحافظة على هذا الإنجاز تتطلب هي الأخرى ثمنا، فمن يدفع ثمن إنقاذ القطاع السمعي البصري؟ سؤال طرحه المعنيون على أنفسهم خلال الإعداد للأيام التشاورية الخاصة بالصحافة؛ فقد سهرت لجنة السمعي البصري الليالي ذوات العدد مع خبراء في الميدان، لتقدم جردا للمشكلات التي تهدد القطاع بالتوقف، وتقديم مقترحات عملية ومنصفة بالحلول المتاحة، وهو ما تم نقاشه وإغناؤه خلال ورشة السمعي البصري، وتضمن خلاصته التقرير المرفوع للحكومة… ثم توقفت العربة في انتظار ردة فعل الحكومة، التي طال انتظارها»، حسب تعبير مولاي علي.
وقال «انتظار رأي الحكومة فيما قدم إليها هو سيد الموقف، يضيف ولد مولاي علي، وعسى ألا يطول هذا الانتظار كثيرا، فقد بدأت مؤسسات القطاع تتساقط، تباعا، كأوراق الخريف، وهي خسارة لأطراف العملية – جميعا- يمثلها تهاوي مكتسبات غالية أخذت منا الكثير الكثير».
وخلص الحسن مولاي علي إلى استنتاج مؤسف مداره «أن القائمين على الإذاعات الحرة لا يملكون وهم يشهدون في موقف حزن وأسى على الإذاعات العزيزات: موريتانيد، وإذاعة نواكشوط، وصحراء ميديا التي افتقدنا صوتها الرخيم، لا يملكون إلا أن يقولوا لها، باسم المؤسسات التي لا تزال تقاوم وتأمل الاستمرار: «أنتن لنا فرط، ونحن بالأثر… نسأل الله لنا ولكن العافية».
يذكر أن تحرير الفضاء السمعي البصري في موريتانيا مر بمطبات كثيرة قبل أن يصادق البرلمان الموريتاني يوم 3 تموز/يوليو 2010 على القانون رقم: 2010-045، القاضي بتحريره وذلك في جلسة شهدت نقاشات ساخنة لمضامين القانون بين ممثلي الأغلبية والمعارضة داخل البرلمان.
وأعدت حكومة الرئيس السابق علي ولد محمد فال مشروع قانون تحرير الفضاء السمعي البصري عام 2006، وتم عرضه لأول مرة على البرلمان في عام 2008، في عهد الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله حيث وافق عليه مجلس النواب، وتحفظ مجلس الشيوخ على بعض مواده، وبقي مشروع القانون رهين محبسه إلى أن أقره البرلمان عام 2010 بشكل نهائي، تحت ضغوط ومطالبات وإلحاحات القوى الإعلامية والسياسية.
القدس العربي : عبدالله مولود