أنواكشوط " موريتانيا الحدث " :
- استمرت في موريتانيا أمس عاصفة الانتقاد التي قوبل بها نص النشيد الوطني الذي أقرته الحكومة للتو بديلًا عن نشيد ما بعد الاستقلال، تطبيقا لنتائج الاستفتاء الذي نظم في الخامس من آب /أغسطس الماضي وقاطعته المعارضة.
وشن مدونو المعارضة وشعراء كبار هجوما على النص الجديد مؤكدين أنه « نص هزيل لا يليق بموريتانيا أرض المليون شاعر».
وفي مقابل ذلك دافع مدونو الموالاة عن النشيد وأكدوا أنه «يفي بالمطلوب، وأن منتقديه انتقدوه من وجهة سياسية بحت».
وفي شرح لمضامين القانون الجديد المتضمن نص النشيد، أكد الوزير محمد الأمين الشيخ الناطق الرسمي باسم الحكومة «أن النشيد الوطني مطلب كان عند الموريتانيين منذ الاستقلال، وحتى اليوم لأنه منذ الاستقلال لم يعتمد نشيد وطني رسمي للجمهورية الإسلامية الموريتانية ولذلك كانت هناك عدة محاولات لإعداد نشيد وطني كان أولها سنة 1977 حينما شكلت في تلك الفترة لجنة لإعداده»، مضيفا «إن هذه اللجنة نظمت مسابقة شارك فيها ما يقارب 70 شخصا لم تتوفر الشروط المطلوبة في نصوصهم لاعتمادها نشيدا وطنيا، ثم تتالت الأحداث حتى حصل انقلاب 1978، وانشغل الجميع بذلك».
وقال «كان من ضمن الاصلاحات الدستورية في المادة 08 من دستور 1991 المراجع سنة 2006 و2012 و2017 التي تقول الفقرة الأخيرة منها يحدد بقانون ختم الدولة والنشيد الوطني، حيث طبقا لهذا القانون كلفت لجنة وطنية بإعداد النشيد الوطني وقد أعدت نشيدا وطنيا قدم اليوم أمام مجلس الوزراء يتميز بأنه صادر وفق قانون ذي مرجعية دستورية عقب حوار وطني أوصى بتغيير النشيد وهي الميزة التي لم تحصل في المحاولات السابقة».
وأضاف الوزير الشيخ «شكلت لكتابة النشيد لجنة من 28 شخصية بين شاعر وأديب وأكاديمي وناقد أدبي ضمت الولايات جميعها، إضافة إلى أنه سبيكة لمجموعة من مختلف الأناشيد التي تغني للأمجاد والاعتزاز بالأرض والمقاومة والتضحية والاعتزاز بالقيم الدينية والأخلاقية والشهامة والكرم وغير ذلك من المعاني النبيلة».
وهاجمت المعارضة على لسان رئيسها الدوري محمد جميل منصور النشيد الجديد.
وأكد في تدوينة له أمس «لم أكن أرغب في التعليق على ما قيل إنه مشروع النشيد الوطني المنتظر ولا شك أن عدم رغبتي هذه مفهومة: فسياسيا يعتبر هذا النشيد ثمرة لتعديلات ومسار منكر دستوريا وقانونيا فلا ضرورة في المشاركة في الجدل حوله أو على الأقل ثمة أولويات عليه مقدمة، وشخصيا لست من أهل الاختصاص وذائقتي الشعرية والفنية لا تؤهلني لأكون في مقدمة المهتمين بهذا الموضوع».
«ولكن النص المقترح، يضيف ولد منصور، يستفز، والتعليقات التي خرجت حتى الآن تغري بالمشاركة، وقد اختار له الدكتور الشيخ معاذ ولد سيد عبد الله وصف ”النشيد الخطيئة»، وحدد مشكلته بقوله «مشكلة النشيد في بنائه ولغته وصوره الشعرية»، أما الدكتور الشيخ أحمد ولد البان فقد لخص أمره و حكم عليه من دون تردد ” ليست به سكينة المتصوفة ولا جلجلة الفرسان، لغته كتلك التي تكون على المعلبات، فقدنا اللغة فمن نحن إذا»؟، والخلاصة، يقول ولد منصور، إن مشروع هذا النشيد لا يمجد المقاومة ولا يعتز بالأسلاف ولا يعبر عن روح وطنية جامعة لأهل موريتانيا كلهم».
وكان من أبرز منتقدي هذا النشيد الدكتور الشيخ معاذ أستاذ النقد الأدبي في جامعة نواكشوط الذي دَوّن حوله قائلا: «لمن يعتبرون المحفوظة الأخيرة جزء من المشروع السياسي لفخامته ويجب الدفاع عنه (برغم صعوبة ذلك)، كما يجب التعصب له ضدًا لقوانين الجمال والذوق والإبداع. ضدا للشعرية والأدبية وفنيتاهما، فمن الذي يرمي سمعة موريتانيا الشعرية عرض الحائط مقابل انتصار للحظة تهافت إبداعي منقضية، طيب. لنعتبر النقاش سياسيا وننهيه».
وأضاف «تم تزوير إرادة الناس في الاستفتاء الأخير وصوت الأموات أكثر من الأحياء ثم فرض علينا ذلك بالقوة وأصبح من كنّا نعتبرهم أكثر رزانة وموضوعية يستفزوننا يوميا بأن الاستفتاء كان شفافا في تجاهل صارخ للحقيقة ولسمعتهم ولعلاقتهم بالمستقبل والتاريخ»، ثم فرض علينا علم لا يمت للجمال ولا للمعاني الوطنية بصلة بل فيه تجاهل لدماء كثيرة وأرواح أكثر، وتم العبث بمؤسساتنا الدستورية لحاجة في نفس بعضكم، كل هذا قمتم به ودافعتم عنه، فهل تعتبرون نقدنا لهذه المحفوظة محاولة منا لدفعكم نحو التخلي عنها؟ لا أبدا؛ نحن نعرف أنها بشكلها الحالي جزء من عملية تشويه الجَمال التي فرضت علينا وتفرض يوميا، وهي وحدها التي لن تكون نشازا ضمن باقة التشويه تلك، اعتمدوها رجاء، فالنشاز الحقيقي هو إيجاد نشيد معبر عن شعرية موريتانيا وأصالتها ووطنية شعبها، لا حاجة لأن تدافعوا عن ثلمة إبداعية على جبين وطن لطخ بأكثر من ذلك «.
وزاد «أنتم تعرفون في قرارة أنفسكم أن هذه المحفوظة لا تصلح فرقعة لطرد طيور الحقل، أحرى أن تكون نشيد وطن، لكن شنآنكم الشخصي غلب على روح الإنصاف عندكم، وها أنتم تجعلون من وطنكم أضحوكة بين الأوطان، لا لشيء إلا لأن معارضا انتقد كلمات نشيد يمكن استبدالها في رمشة عين وتنتهي اللعبة، أنتم هم من يسيس الحياة والجمال والعلاقات الإنسانية، وهذا النشيد يليق بجمهوريتكم فلا تتخلصوا منه، لكن تذكروا أنكم أنتم من فضحنا».
وكتب المدون حبيب الله أحمد معلقا على النشيد «أغلب الظن أن النشيد الحالي أعد على عجل من طرف عضو واحد من أعضاء اللجنة فتشت في كلماته فلا خيول «ولد الطالب» تمارس العزف بسنابكها على الصخر، ولا «نخلة» كابر هاشم تبسط ظلها فيه، ولا ثورية» ناجي محمد الإمام» تتقد حماسا فيه، ولا نعومة ودفق تعابير بنت البراء يصقلان خشونة ترتيب فقراته، فمن أين جاء هذا النشيد؟».
وقال «لغة مكسرة وأسلوب مذبوح بسكاكين التكلف وارتباك يصعد بنا إلى الثريا ثم يعيدنا لمحاولة الصعود إليها وينتقص من بلدنا ويختصر اسمه وهو ما لا يليق في الأناشيد الوطنية».
القدس العربي