ازدادت قضية السناتور المعارض محمد ولد غده تعقيدا أمس بعد أن خرجت النيابة العامة الموريتانية عن صمتها تجاهه وأدرجت اعتقاله ضمن «التمالؤ والتخطيط لارتكاب جرائم فساد كبرى عابرة للحدود ومنافية للأخلاق والقيم السائدة في مجتمعنا».
ونفى ولد غده في تصريح نقله محاميه اتهامات النيابة جميعها، التي اعتبرتها المعارضة الموريتانية تلفيقا سياسيا، بينما عرضها المحامي على سفيرة ألمانيا في نواكشوط في مسعى لتدويل هذه القضية.
وأكدت النيابة العامة « أن اعتقال ولد غده يأتي بعد توصلها لمعلومات موثقة تتعلق بتشكيل منظم يهدف إلى زعزعة السلم العام»، مبرزة أنها «فتحت تحقيقات ابتدائية معمقة وشاملة، تتعلق بالتمالؤ والتخطيط لارتكاب جرائم فساد كبرى عابرة للحدود».
«وفي إطار تلك التحقيقات، تضيف النيابة، تم حتى الآن توقيف المشتبه به محمد ولد أحمد ولد غده، طبقا لأحكام وترتيبات القوانين المعمول بها، وأتيح له اللقاء مع محاميه ضمانا لحقوق الدفاع.»
وأضافت «وكان المشتبه به نفسه قد تم توقيفه رفقة مشتبه به آخر بناء على شكوى تقدم بها ضابط في الجيش، تتعلق باختلاق وقائع وتصريحات كاذبة».
«والنيابة العامة، يضيف البيان، وهي تعلن للرأي العام فتح هذه التحقيقات الشاملة في جرائم خطيرة أخذت مسالك غير تقليدية، وغير مسبوقة في تاريخ البلد، تؤكد أن ظروف توقيف كل من تشملهم هذه التحقيقات ستكون كما كانت دائما خاضعة لمقتضيات الشرعية التي تكفلها مقتضيات القوانين وتراقبها السلطة القضائية، وستطلع النيابة العامة وفق ما تسمح به الاجراءات القانونية الرأي العام على المعطيات الأساسية التي ستتكشف عن هذه الوقائع وغيرها».
وأكد أحمد سالم ولد بوحبيني محامي ولد غده في تدوينة نشرها على صفحته: أنه «التقى موكله وأطلعه على بيان النيابة العامة».
وقال: «كان رد السناتور ولد غده هو أن بيان النيابة العامة مغالطة للرأي العام»، مؤكدًا «أن لا علاقة له بأي جرائم فساد كبرى عابرة للحدود أو غير عابرة للحدود».
ونقل المحامي عن موكله تأكيده «عدم التورط في أية محاولة لزعزعة السلم العام»، معتبرًا «أن ما يتعرض له هو تصفية حساب ومحاولة لإسكاته عن مواضيع الفساد وصفقات التراضي التي يمتلك منها ملفات خطيرة يصر على نشرها».
وكان ولد غده قد نشر معلومات عن ممتلكات خارجية مشتبه فيها لأسرة الرئيس ولد عبد العزيز، كما عمل على تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للتحقيق في صفقات التراضي العمومية، ونشر مقطعا مصورا لضابط ينفي الرواية الرسمية للرصاصة التي تعرض لها الرئيس عام 2013، وهدد قبل اعتقاله بنشر معلومات عما سماها «صفقة إطلاق سراح عبد الله السنوسي مدير مخابرات القذافي.
وفي إطار هذه القضية التي تزداد تعقيدا، أكدت المعارضة الموريتانية في بيان وزعته أمس: «أن النيابة العامة أصدرت بيانا صادما، اعتمدت فيه لغة التهويل والتهديد، وتحدثت فيه عن « قيام أشخاص متعددين بالتمالؤ والتخطيط لارتكاب جرائم فساد كبرى عابرة للحدود ومنافية للأخلاق، في محاولة لإلهاء الرأي العام ولفت أنظاره عن الأزمة المتفاقمة التي يتخبط فيها النظام، وعن الهزيمة السياسية النكراء التي تكبدها من جراء فشل استفتائه الهزلي الذي قاطعه الشعب الموريتاني بصورة واسعة على امتداد التراب الوطني».
«إن إطلاق الاتهامات الخطيرة التي لا تعتمد على أي أساس، تضيف المعارضة، وتلفيق التهم، واختلاق الأزمات والمؤامرات الوهمية، ظل دائما هو السلاح الذي تلجآ إليه الأنظمة الدكتاتورية لتبرير جرائمها ضد الديمقراطية وحرية مواطنيها ولتلبيس سوء إدارتها ونهبها لخيرات بلادها، وعندما تعجز عن حل المشاكل الحقيقية وعن مواجهة الواقع بشجاعة وحكمة وتبصر، يكون الهروب إلى الأمام لجر البلاد نحو المجهول؛ إنها محاولة لإلباس الآخرين جريمة زعزعة الأمن التي يقترفها النظام من خلال هذه الاتهامات الخطيرة واختلاق مبررات واهية لتصفية حساباته مع خصومه السياسيين».
وتابعت المعارضة: «إن اعتقال الشيخ محمد ولد غده ليس حدثا معزولا، فهو يدخل في إطار سياسة النظام القمعية التي عادت بالبلاد إلى عهد الأحكام العرفية، المتمثلة في خنق الحريات، وقمع التظاهرات السلمية للأحزاب المعترف بها رسميا، والتنكيل بالاحتجاجات السلمية للشباب والنساء، ومحاولة كبت كل صوت يرتفع ضد الظلم والتعسف وطغيان الحكم الفردي. «
«الحقيقة، تقول المعارضة: هي أن الشيخ محمد ولد غدة رجل معارض، صدح عاليا بمواقفه السياسية وبعلاقاته مع الموريتانيين جميعهم الذين يقاسمونه الرأي والمواقف عينهما، وعلى العكس مما قالته النيابة فقد تم التعامل معه بصورة منافية لكل القوانين والنظم والأعراف، إذ تم اختطافه ليلا وهو يتمتع بحصانته البرلمانية من طرف أشخاص يرتدون زيا مدنيا من دون مذكرة توقيف أو مبرر، وقضى ثلاثة أيام من دون أن يعرف عنه ذووه ومحاموه أي شيء، ومن دون أن تعرف عنه العدالة أي خبر، كما منع محاموه من لقائه على انفراد في خرق سافر للقانون، ولم يقدم ملفه للعدالة إلا بعد تواصل الضغط والاحتجاجات من طرف المعارضة الديمقراطية والرأي العام والصحافة، ولا يزال حتى اليوم رهن الاختطاف التعسفي».
«إن تلفيقات النظام وتهديداته، تقول المعارضة الموريتانية: لن تخيف الشيخ محمد ولد غدة، المعروف بشجاعته وثباته على مواقفه، ولن ترهب المعارضة الموريتانية التي ستواصل وتصعد نضالها من أجل الدفاع عن الحريات وعن مصالح الشعب من أجل إعادة المسلسل الديمقراطي للطريق السليم».
«إننا في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، يضيف البيان: نجدد إدانتنا القوية لما تعرض له الشيخ محمد ولد غدة ويتعرض له من معاملة خارجة على القانون والأخلاق، كما نجدد وقوفنا الحازم وتضامننا القوي معه، وعزمنا على مواصلة النضال من أجل إطلاق سراحه واسترجاعه كافة حقوقه، وندين بشدة استخدام القضاء من أجل تصفية الحسابات مع المعارضين، ونحذر النظام من مغبة الهروب إلى الأمام واختلاق الأزمات والدفع بالبلد نحو مزيد من الاختناق السياسي ومخاطر عدم الاستقرار، ونجدد إرادتنا الثابتة في مواصلة النضال الى جانب القوى الوطنية جميعها ضد اختطاف بلدنا من طرف الحكم الفردي المتسلط، ومن أجل إقامة دولة العدل والمساواة والديمقراطية».
وضمن تفاعلات ملف السيناتور غده، أعلن محاميه بوحبيني أمس «أنه عرض قضية اعتقاله على سفيرة ألمانيا في نواكشوط كارولا ميلر هولتكمبر».
وأضاف في تدوينة نشرها على صفحته: «تطرقنا خلال اللقاء لموضوع السيناتور محمد ولد غدة وما يتعرض له من ظلم وانتهاك لحقوقه التي يكفلها القانون وضرورة دعم أصدقاء موريتانيا لضمان هذه الحقوق للمواطنين جميعا والوقوف مع قضية السيناتور».
وقال: «أعربت عن قلقي الشديد من التدهور الخطير والمرفوض الذي شهدته الحريات العامة في موريتانيا خلال الفترة الأخيرة من قمع للاحتجاجات السلمية وتكميم للأفواه وتجسس على خصوصيات السياسيين المعارضين واختطافهم، وأكدت ضرورة وقوف المجتمع الدولي وأصدقاء موريتانيا ضد التعسف والظلم مطالبا السلطات الألمانية بأخذ موقف تجاه الموضوع».
وأكد المحامي «أن سفيرة ألمانيا عبرت عن دعم بلادها والاتحاد الأوروبي لكل ما من شأنه ضمان الحريات العامة وحقوق الانسان في موريتانيا».
القدس العربي