في حضرة الشيخ العارف المحب عبد الله أبو طربوش / احمدو بزيد

29. يونيو 2017 - 1:33

( أنواكشوط ) موريتانيا الحدث : لقيت ذلك الشاب صدفة، كما لقي المختار ولد حامد لمرابط ولد الغوث... قال لي إنه من "إديبسات" سكان المدينة المنورة، لم تمض أيام حتى استحكمت عرى المودة بيننا... وجهته محددة في اهتمامه الأهم المنصب حول البحث في كتب التصوف، وترصد محال المديح النبوي في بيوتات المدينة المنورة...

تواعدنا باب السلام ليرشدني إلى باب الشيخ عبد الله أبو طربوش... زودني برقم ولد الشيخ، لما حال عائق بينه والذهاب معي.

جئت الشيخ في بيته المجاور لسيد الشهداء - رضي الله عنه - والكائن بوضعيته من جبل الرماة، كما كان الرماة يوم غزوة أحد!!

سلّمت عليه، ولم يبد رغبة، لانشغاله في متابعة التلفاز، أعدت السلام والسؤال عن الأحوال، فلم يزده ذلك انتباها، ناولني كأس شاي، وقال: إشرب الشاي، وأعاد التركيز جهة التلفاز!! شربت الشاي، وأعدت السؤال، فناولني سيجارة، وقال: دخن...

بعد يسير دخل في نوبة ضحك قوية، وصار يلح علي - خلال الضحك - بمشاهدة ما يضحكه على الشاشة، نظرت ولم أستبن شيئا يثير ذلك القدر الضافي من الضحك!!

مباشرة بعد هدأة ضحكه الذي رافقته حركات تفاعل فاعلة، استلقى على جنبه، وذهب في نوم هادئ عميق!! وبين ثورة الضحك تلك، وشخير النوم هذا قليل من الوقت!!

بقيت في المكان حتى استيقظ من رقدته، أمر ولده - من غير طلب مني - أن يريني مكان خلوته الكائنة في قبو تحت الأرض، وجدت المكان خارج سياقات الظرف الزماني والحيز المكاني...!!

زرته عشية أخرى، وصادف اللقاء وجود شقيقه معه، وهو قريب منه في العمر، كان الأخ يباحثه أمرا لم أستبنه، وكان هو في واد آخر حول محاولته شراء الأرض المجاورة لمدفن عبد الله ابن عبد المطلب... وراح في حديث وجداني جميل حول عبد الله ابن عبد المطلب...

ينضاف إلى تعلقه بوالد الحبيب صلى الله عليه وسلم، حبه الجمّ لسيدنا حمزة ابن عبد المطلب، وفي جواره له بينات على ذلك.

كان خبازا، يعمل في مخبزه، وأغلب عائدة عمله من المخبز تذهب في سبيل الصدقات، والظاهر من حاله عدم احتياجه عوائد المخبزة، فربما هو حب العمل والإطعام في رحاب الحبيب صلى الله عليه وسلم...

اتصلوا بي، لطلب حضوري مجلس مديح سيعقد في تلك الليلة النيرة الثائرة...!! جئت البيت، ووجدت الزوار يتوافدون، وكان الشيخ في انشغال تام بأمر إعداد طعام الدعوة، أخبرنا أنه أعد وجبة نادرة من "الفراسن ورقائق الثريد" كان يدخل المجلس قليلا لتحية الوافدين ويعود سريعا إلى المطبخ لتعاهد الوجبة، وكلما دخل وافانا - من غير سؤال - بوضع المائدة....!!

اكتمل الحضور، وأحضر الشيخ المائدة، وامتدت إليها الأيادي، وما أظنني تناولت طعاما ألذ منها ولا أشهى!! كان يثني عليها كثيرا - رغم أنها لا تحتاج ذلك - ومن غريب امتداحه لها، قوله: إن شهداء بدر يستلذونها!!!

كانت ليلة من ليالي وصل الزمان العجيبة!!

حضر المداح الذي سيمدح الحبيب صلى الله عليه وسلم، والعجيب أن تحضير حاله أخذ وقتا طويلا وإجراءات غير قليلة مثل: تسريح شعره وتطييبه وإلباسه جديد الثياب... كل ذلك والشيخ فرح، لا يدع القيام بشيء من ذلك لغيره رغم ضعفه البدني ومشاغله الوفيرة، وكثرة غاشية بيته...

أحضرت الطبول، ونصبت الأبواق، وأوقدت المباخر، وتوزع المداحون الأدوار، وأخذ الشيخ طبله، وبدأ المداح بصوته العذب الرخيم مع قول الشيخ صالح الجعفري - رضي الله عنه -: رضينا يا بني الزّهرا رضينا --- بـــحب فيكم يرضي نبينا رضينا بالـــنبي لـــــنا إماما --- وأنــــــتم آله وبكم رضينا وبالسبط الــحسين كذا أخوه --- وحــيدر ثم زين العابدينا وزينب من لها فــــضل سمي --- سلالة أحمد في الطيبينا

ابتلت الجفون، وبكى المكان كله! وأهتز الحضور طربا وشوقا، وتواجد الشيخ، وهام وترنم، وزاد من ضرب طبله، والتلويح بيديه، وترجيع المديح مع المداح...

لا أنسى جلسته، ونظرته، ومشيته، وضحكته، ونومته، وليلته، أحببته كثيرا....

بلغني نعيه - رضي الله عنه - قبل نحو سنتين.

تابعونا