
نشرت صحيفة “الصدى” وثيقة نادرة تكشف رد السفير الموريتاني الراحل في القاهرة محمد فاضل ولد الداه على عبارة مثيرة للجدل نشرها الكاتب المصري المعروف سلامة أحمد سلامة في عموده بجريدة الأهرام تسعينيات القرن الماضي، جاء فيها: “مصر ليست بورندي ولا موريتانيا”.
العبارة التي جاءت ضمن محاولة الكاتب الدفاع عن مصر أمام حملة إعلامية غربية، أثارت حفيظة السفير، لكنه اختار نهجاً غير مألوف في الدبلوماسية، فقابل القلم بالقلم والفكر بالفكر، بدل إرسال احتجاج رسمي.
وأوضح السفير في رسالته، أن المقارنة تُسيء لموريتانيا وتقلل من شأن تاريخها الحضاري ودورها في دعم القضايا العربية والإسلامية.
واستعرض ولد الداه إسهامات موريتانيا منذ عهد المرابطين ومعركة الزلاقة، مروراً بدور منارة شنقيط العلمية وعلمائها الذين وصل تأثيرهم إلى الأزهر الشريف، أمثال:
- محمد محمود بن التلاميد، الذي درّس علوم اللغة العربية في الأزهر بتزكية من الإمام محمد عبده،
- ابن مايابا صاحب كتاب “زاد المسلم”
- أحمد الأمين الشنقيطي صاحب موسوعة “الوسيط في تراجم أدباء شنقيط”.
وأكد السفير أن موريتانيا لعبت دوراً بارزاً في الدفاع عن القضايا العربية، ولا سيما القضية الفلسطينية، وأن مكانة مصر “راسخة لدى العرب والمسلمين لا تحتاج إلى إثبات”، مشدداً على أن ذلك لا يبرر وضع موريتانيا في مقارنة تقلل من شأنها.
واختتم ولد الداه رسالته بدعوة الكاتب إلى الاعتراف بالخطأ وتصحيح الانطباع، مستعرضاً بيتين من الشعر يعكسان وفاء موريتانيا للأشقاء العرب والمسلمين رغم أي هفوات أو سوء فهم.
وجاء في الرسالة:
حضرة الاستاذ الفاضل / سلامة أحمد سلامة
تحية طيبة واحتراما يليق بمقامكم الكريم
وبعد ، فأنا أحد القارئين لعمودكم اليومي فى ” الاهرام ” . أجد فيه الفكرة الناضجة و الأسلوب المعتدل والمعالجة الرصينة . ولقد فوجئت كما فوجىء غيرى من قرائكم الموريتانيين بما ورد فى هذا العمود يوم ١٧ فبرابر الجارى . حيث استخدمتم أسلوبا لا يرى سبيلا لإثبات أهمية مصر عربيا واسلاميا إلا من خلال الحط من قدر بلد شقيق ،
فقلتم أن “مصر ليست بوروندى أو مورينانيا ” وهى مقارنة لا يمكن إلا أن تثير الدهشة بما تنطوى عليه من تعريض بموريتانيا واقحام لاسمها فى قضية لا تتعلق بها وخاصة حينما تصدر تلك المقارنة عن كاتب كبير وصحفى قدير مثلكم لا تعييه الحجة أو يعوزه البرهان ، وفى صحيفة لها من الخبرة والمكانة ما للأهرام ، وفى بلد كمصر تنزله مورينانيا منزلة الشقيق الأكبر .
إننا ونحن نشاطركم الرأى حول أهمية الشقيقة مصر ومكانتها بين الدول العربية والاسلامية التى لا نعتقد انها تحتاج الى برهان نذهب الى أبعد من ذلك لنقول ان هذه المكانة – المستحقة عن جدارة – كانت دائما ترتبط ارتباطا وثيقا بجهودٍ مصر وتضحباتها من أجل أشقائها العرب والمسلمين ومقاومتها لأى أغراء يغريها ببناء مجدها على حسّاب النّيل من حظوظهم وأقدارهم ماديا كان ذلك أو معنويا .
وبعبارة أخرى فان أهمية مصر ومكانتها فى أعين العرب والمسلمين لم تنجم عن تنافس أو سباق تحرص فيه مصر على ابراز تميزها عنهم أو أفضليتها عليهم ، بل نجمت عن قدرة مصر الكبيرة على التضحية والعطاء برا بالأشقاء و إيثارا لهم .وهذا ما يجعلنا نندهش حينما نقرأ لكم وللأهرام أسلوبا قد يفهم منه أى انتقاص من قطر عربى إسلامي شقيق هو موريتانيا
حقا إن مورينانيا بلد صغبر مسالم قام دائما ويقوم بدور كبير لصالح العرب والمسلمين ولكن فى صمت ونكران للذات ، وهو دور لا يتعارض، بالتأكيد مع ما تقوم به مصر فى هذا المجال ، وإنما يتكامل معه ، وقد يجهل ذلك كثير من الناس فى عالمنا العربى والاسلامى لضعف الوعى وانتشار الأمية . ولكن من هو فى مقامكم علما و ثقافة لا يمكن أن يغيب عن باله كيف سطع دور الموربتانيين الجهادى فى الدفاع عن الاسلام فى شمال إفريقيا وجزيرة ايببريا . وخاصة منذ القرن الخامس الهجرى بوم خاضوا – تحت رايات المرابطين – معركة “الزلاقه” لمشهورة التى أجلت سقوط الأندلس أربعة قرون من الزمن
وكيف سطع دورهم الحضارى يوم نجحوا فى نشر الإسلام و الحضارة العربية فى غرب إفريقيا بالحكمة والموعظة الحسنة .. وكيف سطع دورهم الثقافي والعلمى يوم كانت شنقيط منارة للعلم والمعرفة وكان للعلماء الشناقطة فى بلدان المشرق العربى وفي مقدمتها مصر والأزهر الشريف حضور واسهام متميز فى مختلف المعارف ، علماء من أمثال الشيخ محمد محمود بن. التلاميد الذي إنتدبه الإمام محمد عبده لتدريس علوم اللغة العربية فى الأزهر الشريف ، والشيخ بن مايابا الذى أتحف المكتبة المصرية بكتابه الجليل ” زاد المسلم فى ما اتفق عليه البخارى ومسلم “
والشيخ أحمد الأمين الشنقيطى الذى انقطع لخدمة العلم فى مصر حتى توفاه الله تاركا للمكتبة المصريبة 14 مولفا بما فيها كتابه الشهير ” الوسيط فى تراجم أدباء شنقيط ” و غيرهم وغيرهم ٠٠ وأخيرا كيف حفظت مورينانيا للعرب وما تزال تحفظ لهم إلى يومنا هذا لغة عربية نقية وتراثا عربيا و إسلاميا لا تشوبه شائبة .
أما دور موريتانيا الحديث فى الدفاع عن القضايا العربية وحقوق الشعب الفلسطيني ، وتعزيز التضامن العربى – الافريقى فهو أمر معروف لا يحتاج الى شرح .
فأي هذه الأدوار لا يشرف العرب والسلمين ، ويُعطى مورينانيا حق الاعتراف لها بما بذلت وإن لم تنتظر مقابله جزاء أو شكورا
لقد كانت المفارقة المؤسفةِ يا سيدى فى عمودكم المذكور أنّه وهو يحاول تبرئة الاعلام الغربى من تهمة التجني على مصر جاء بصياغة تتجنى على قطر شقبق فى قلبه لمصر واهلها كل معانى الحب والاكبار .
لقد أحببت أن أتوجه بالخطاب إليكم شخصيا لثقتي بأن ما عرف عنكم من تجرد وحياد علمى كفيل بأن يجعلكم تلمسون مدى ما سببته مقالتكم هذه من ألم لأهلكم فى مورينانيا .
فإن أردتم أن تنصفوا بلدكم موريتانيا بكلمات تعيد الحق إلى نصابه فلن يكون ذلك، غريبا على تواضع العالم وموضوعية المفكر التى أنتم أهل لها ، والتى هى صفة كل ذى علم لا تعوزه شجاعة الاعتراف بأن رأيه ” صواب يحتمل الخطأ ” ؛ كما يقول الامام أبو حنيفة .
أما موريتانيا فنؤكد لكم أنها باقية على العهد ولاء ووفا للعرب و المسلمين مهما كان الحيف الذي يلحق بها سهوا أو خطأ متمثلة فى ذلك بقول الشاعر :
وإن الذى بيني وبين بنى أبى وبين بنى عمى لمخنلف جدا
لأن أكلوا لحمى وفرت لحومهم و إن هدموا مجدى بنيت لهم هجدا
ولكم أولا وأخيرا خالصة التحية والاحترام .
محمد فاضل ولد الداه
سفير موريتانيا في القاهرة



