
السيد الرئيس، السادة و السيدات النواب المحترمون،
أود، بداية، أن أشكر النائب المحترمة السيدة كادياتا مالك جالو، على توجيه هذا السؤال و على اهتمامها بهذا الموضوع، الذي يُعد من القضايا ذات البُعد الوطني والدولي، لما له من تداعيات أمنية وإنسانية، واجتماعية.
أولا: ينبغي التفريق بين اللاجئين و المهاجرين والمقيمين
فبلدنا يوجد به ثلاثة أصناف من الأجانب :
1. الصنف الأول: مواطنون من بلدانٍ تعيش ظروفا أمنيةً خاصة، وهم حسب التقديرات 300 ألف، ويصنّفون ـ بدورهم ـ إلى نوعين:
• لاجؤون يحملون صفة لاجئ ، هذه الفئة موجودة في مخيّمات معينة؛
• أغلبية لا تحمل هذه الصفة ، من بينها عمال وطلاب و منمّون و تجار، يوجدون في ولايات الحوضين ولعصابة أساسا، ويتقاسم المواطنون معهم كافة الخدمــــات العمومية ( الصحة،التعليم، نقاط المياه ، المراعي )، في المُدن وفى الأرياف، ويستضيفونهم بكل أرْيحية.
2. الصنف الثاني: مقيمون إقامةً شرعية، من مختلف الجنسيات ، يقدمون خدماتٍ مهمةً للاقتصاد الوطني في شتى مفاصله، وهؤلاء مُرحبٌ بهم في نطاق أن بلدنا بلدُ انفتاحٍ وترحيب بالآخر، و بلدُ ضيافةٍ، تستفيدُ منها كل الجاليات هنا، و بحُكم إقامتهم تلك، فهم ملزمون بالخضوع للقانون، مما يفرض عليهم احترامَ ثقافة البلد و تسديدَ الضرائب، والاندماجَ في النسيج الاجتماعي، وهذا هو حالُ و سلوك الأجانب المقيمين في كل بلد.
3. الصنف الثالث: مقيمون غيرُ شرعيين: هؤلاء دخلوا البلد بطُرق غير شرعية، وإقامتُهم ـ بالطبع ـ غيرُ شرعية ، وهذه الفئة هي التي يُفترض أنها محل سؤال النائب المحترمة، مع أننا نتحفّظ على استخدامها لعبارة "طرد الأجانب"التي ربما تحمل شُحنة سلبية ، و كان من الأفضل أن تستخدم بدلا منها عبارة " ترحيل المهاجرين الموجودين في وضعية غير قانونية" ، وذلك للاعتبارات التالية:
1.أن هذا الترحيل جرى في ظروف تضمنُ لهم كرامتَهم الإنسانية، حيث يتم إيواءُهم في مراكزَ تتوفر على جميع الخدمــــات الضرورية من معــــــاشٍ و مياه و كهرباء ومرافقَ وخدمات صحية و أمنية، وهذا ما تم التأكدُ منه من خلال بعثاتهم الديبلوماسية و روابطِ جالياتهم؛
2.يتم التأكد ـ دوْما وبصفة روتينية ـ أنهم استوفوا جميعَ حقوقهم لدى مشغّليهم، و سافروا بأغراضهم الخاصة؛
3.هذا الترحيل مطابق للاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وقد تأكد من ذلك الوزراء الذين زاروا بلادنا و تأكدتْ منه اللجنةُ الوطنية لحقوق الإنسان و الآلية الوطنية لمكافحة التعذيب و المرصدُ الوطني لحقوق المرأة و الفتاة، وأدلى الجميع بتصريحات إيجابية، يمكن الرجوع إليها.
ثانيا: للرد على سؤال النائب الموقرة:
اسمحوا لي أن أؤكد أن ما قامت به الحكومة، لا يتعلق بـما أسمتْه النائبُ المحترمة "طردا" وما أوردتْ أنه "حدوث انتهاكات" وكلها مفردات وعبارات في غير موضعها، لما تحمله من شُحنةٍ سلبية و من معنى جانبَ الصواب، فما قامت به الحكومة تنفيذٌ لإجراءات قانونية اعتيادية، سبيلا إلى ضبط وضعية الأجانب داخل التراب الوطني، و الأمر يتعلق بجميع الأجانب الموجودين في وضعية غير قانونية ـ خلافاً لما ورد على لسان النائب الموقرة ـ وهي إجراءات تتماشى مع السيادة الوطنية والالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان.
و من المهم ـ أيضا ـ أن أوضّح كذلك، أن الإجراءات التي اتُّخذتْ مؤخرًا بحق بعض الأجانب الموجودين في وضعية غير نظامية، لم تأتِ بين عشيّة وضُحاها، وإنما جاءتْ تنفيذا لاستراتيجية متكاملة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، في سياق تراكمي.
فقد بادرت الحكومة، بين يونيو 2022 وفبراير 2023، إلى إطلاق عملية واسعة لتسوية أوضاع جميع الأجانب المقيمين على التراب الوطني، وهي عملية غيرُ مسبوقة في المنطقة من حيث حجمِها ونطاقِها. وفي هذا الإطار، تمت تسوية وضعية أكثر من 136 ألف أجنبي، وذلك بمنحهم إقامةً مجانية صالحة لمدة عام كامل، وقابلة للتجديد، ودون شروط مسبقة.
غير أن التقييمَ العام لتلك العملية أظْهر، لاحقًا، أن عددًا كبيرًا من الأشخاص المعنيين لم يستجيبوا لها، وذلك لأسبابٍ مشبوهة، أو لعدم التزامهم بالشروط والإجراءاتِ الملزمةِ لتجديد الإقامة .
وبالتالي، فإن الإجراءاتِ الأخيرةَ ليست إلا مرحلةً من مراحل تسيير وضبطِ الأجانب على مستوى التراب الوطني، ضمن مقاربة تحترم القانون والسيادة والكرامة الإنسانية.
فالقانون الدولي، كما تعلمون، يعترف بسيادة الدولة في تنظيم دخول وإقامة الأجانب على أراضيها، وفي المقابل يُلزم الدولَ باحترام وحماية حقوق الإنسان لجميع الأشخاص، بغضّ النظر عن وضعهم القانوني.
وفي هذا الإطار، فإن لبلادنا، كغيرها من الدول، الحقَّ الكاملَ في تنظيم وضبطِ حركة الأجانب فوق أراضيها، وهو أمرٌ يكتسي أهمية متزايدة في ظل ارتفاع أعداد المهاجرين الذين يدخلون البلاد بطُرق غير نظامية، نتيجة لظروف إقليمية مضطربة.
إذْ لوحظ ـ مؤخراـ تزايدٌ غير مسبوق في عدد الأجانب المضبوطين في وضعية غير قانونية، سواء ممن دخلوا البلاد دون المرور بأحد المعابر الرسمية، أو ممن لا يتوفرون على تأشيرات دخول، أو بطاقات إقامة، أو بطاقات لاجئ.
وقد كشفت التحريات عن تورّط شبكاتٍ دولية لتهريب المهاجرين، تنشطُ على التراب الوطني، ولها امتدادات في العديد من الدول المجاورة وغيرها.
ومن دواعي القلق أن هذه الظاهرةَ أدتْ إلى خسائر بشرية جسيمة، حيث تم العثور على جُثَثِ ضحايا قذفتْ بها الأمواج على السواحل الوطنية، كما سَجلتْ المنظمات الدولية مئاتٍ من حالات الوفاة خلال سنة 2024 في عرض البحر، ويُتوقع أن يكون العام الجاري أكثر فتكاً بهم إن لم تُكثّفْ الحكومة جهودَها ضد شبكات التهريب، وتتخذَ إجراءاتٍ حازمةً، للحد من هذه المأساة.
وفي هذا الصدد، تم خلال سنة 2024، إحباط 34 رحلة سرّية انطلاقا من الشواطئ في نواكشوط، و 35 رحلة من شواطئ نواذيبو، و تفكيك 68 شبكة تهريب من طرف الدرك الوطني و 80 شبكة من طرف الشرطة الوطنية،بينها موريتانيون.
وخلال الفصل الأول من سنة 2025تم تفكيك ما مجموعه 88 شبكة تهريب،ضمنها موريتانيون، من بينها 13 مفككة من طرف مصالح الدرك الوطني،وتم توقيف 80 متهما في نواكشوط و 39 في نواذيبو، من جنسيات متعددة (من إفريقيا الوسطى ، ساحل العاج، ، مالي، غينيا كوناكري، السنغال، بنغلاديش وغيرهم)، وهو ما يدل على أن الأمر يتجاوز الهجرة الفردية إلى نشاط منظّم عابر للحدود.
وبناءً على ذلك، وفي إطار تنفيذ الإجراءات التي اتُخذتْ مؤخرًا بحق بعض الأجانب الموجودين في وضعية غير نظامية، حرصتْ السلطاتُ على إحاطة العملية بجملة من التدابير التنظيمية لمعالجة هذه الوضعيات، وفقًا للقوانين الوطنية والمعايير الدولية، ومن أبرزها:
1. الإيواءُ المؤقت
تمت تهيئة ثلاثة مراكز مجهزة لإيواء المعنيين مؤقتًا، بحيث تضمن لهم إقامة كريمة وتشمل ـ كما أسلفنا ـ :
• توفير الإعاشة، الماء، والكهرباء،
• النظافة اليومية والتعقيم،
• نقطة صحية داخل كل مركز،
• التأمين والحماية.
2.احترامُ الحقوق الأساسية
• يتمكن الأجانبُ المضبوطون في وضعية غير قانونية، من الاحتفاظ بممتلكاتهم الشخصية،ويوقّعون على جذاذات تُفيد بأنهم استلموها ، و طيلة فترة الإيواء يتمتعون بحقوقهم الأساسية ،ويتم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية بشكل إنساني، بالتعاون مع روابط جالياتهم، عبر حافلات حديثة ومكيّفة، بمرافقة أمنية حتى الحدود.
ثالثًا: الشفافية وزيارات الرقابة
• استقبلت المراكز ، وما زالت تستقبل ، لحد الساعة، عديدَ الزيارات من سفراء وقناصل ورؤساء جاليات من دول شقيقة (من بينها السنغال، مالي، ساحل العاج، السودان، باكستان.....)،وقد أشادوا جميعًا بحسن المعاملة والظروف الإنسانية التي يحظى بها رعاياهم.
• كما زارت هذه المراكزَ اللجنةُ الوطنية لحقوق الإنسان، واللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب، ومرصد حقوق المرأة و الفتاة، وقد أعربت كل هذه الهيئات عن ارتياحها للإجراءات المتخذة واحترام المعايير الإنسانية، وعدم تسجيل أي حالة سوء معاملة، كما تم توفير الرعاية الطبية داخل المراكز، حسب الحاجة.
السيد الرئيس، السيدات والسادة النواب المحترمون،
في الوقت الذى تسهر فيه قوات أمننا ، وبكل مهنية وإخلاص وشجاعة، على ضبط حدودنا، وعلى توفير جو من الأمن و السكينة، حفاظا على أمن المواطنين ، و اللاجئين و المهاجرين الشرعيين و غير الشرعيين، لا يفوتني أن أثمّن عالياً الجهود الجبّارة والتفاني الكبير لعناصرنا الأمنية، وهي تسهر ليل ـ نهار على أمن المواطن، وتبذل الغالي والنفيس في محاربة الهجرة غير النظامية، وفي ضبط وتأمين نقاط العبور على امتداد ترابنا الوطني، و بقدر عالٍ من المسؤولية والتوازن، بين متطلبات الأمن الوطني من جهة، وضرورات حماية الحقوق الإنسانية من جهة أخرى،
كما أخصّ بالإشادة الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمّنة، التي ما فتئت تبرهن على كفاءة واحترافيةٍ عالية في ضبط الهُويات من خلال التقييد النظامي، وفي متابعة حركة الوافدين عبر نظام “الخاطر” ونظام التأشيرة الإلكترونية، اللذيْن شكّلا رافعة حقيقية في مراقبة الدخول إلى البلاد، لاسيما على مستوى الحدود الثنائية المستحدثة. ولا يسعني أيضًا إلا أن أُشيد بنظام “ديّار” الرائد، الذي يتيح التحقق الفوري من الهوية، مما يشكل نقلة نوعية في مجال أمن الوثائق والهويات، و تقريب الخدمة من المواطن،بعد تشغيل تطبيق "هُويتي"الذى استفادت منه جالياتنا في الخارج، وحظي بإشادة واسعة من المواطنين، و أبدتْ دولٌ صديقة إعجابها به،
و في مثل هذه الظروف، أرى أنه من الموضوعية و الإنصاف أن نثمّن جهودَ الأجهزة الأمنية التي شهدتْ تطوراً كبيراً في مجال تأهليها للاضطلاع بمهمة معقدة هي توفيرُ الأمن، وهي جهود تحتاج تضافرَ جهودنا جميعا: حكومةً وبرلمانيين و إعلاميين و مواطنين متنوّرين ، ذلك أن توفير الأمن، هو في مصلحة المهاجرين و من يُقيمون بين ظَهرانينا من دولٍ صديقة، ويمارسون أعمالهم في بلدهم الثاني، دون أيّة مضايقة أو ظلم، انطلاقًا من قيّمنا و دستورنا والتزاماتنا الدولية، و سنظلّ ـ كما كنا ـ حريصين على احترام كرامة الإنسان، عند التعامل مع قضايا الهجرة.
إن كل هذه الإنجازات الشاهدة، لم تكن لتَتحقق لولا العملُ الدؤوبُ والتفاني المستمر لجميع قوات أمننا و عمال الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المومّنة ، الذين أتوجه إليهم اليوم، من هذا المقام، بخالص الشكر والتقدير، على ما بذلوه وما زالوا يبذلونه في سبيل خدمة وطننا وأمنٍِ مواطنينا.
أشكركم