تميز اليوم الثاني من فعاليات الدورة السادسة من "مهرجان نواكشوط للشعر العربي" باستماع الجمهور إلى الأصبوحة الشعرية الأولى بمقر بيت شعر نواكشوط، والتي قدم من خلالها خمسة شعراء ثلاثة من موريتانيا وشاعران من مالي والنيجر تجاربهم الشعرية المتعددة الأغراض.
وبدأت الأصبوحة الشعرية، التي أدارها الإعلامي أحمد الحسن، بقصائد للعلامة الشاعر الخليل النحوي، قرأها بالنيابة عنه الأستاذ محمد المختار النحوي.
يقول الخليل النحوي في لوحة شعرية:
قولوا لها إن قيسًا لا يزال بها
صبًّا على دَنَفٍ يشكو بها دَنَفَا
ما كان يعرِفُ أنَّ الحُبَّ قاتِلُهُ
وما لَهُ منهُ مَنْجًى بعدَ أن عرفَا.
ويقول في أخرى:
ليسَ بيني فيما تُحِبُّ وبَيْنَكْ
غيرُ شِبْرٍ فاقْرُبْ به واقْضِ دَيْنَكْ
إنْ تكنْ لا تُطيقُ بيني فإنِّي
لو تأَمَّلْتَ لمْ أُطِقْ قَطُّ بَيْنَكْ.
وفي قصيدته "الغبي"، يقول:
سألوا عامرا إلى أين تمضي
قال يا قومِ هذه الأرض أرضي
انظروا هل ترون وجها غريبا
واسمعوا لهجتي وإيقاع نبضي
إن جدي دفينُ تلك الروابي
وبها عشتُ بين بسط وقبض
والشجيرات تلك مسقط رأسي
ومطافي ما بين حبو وركض
هذه الأرض أيها القوم أرضي
فدعوني أمضي دعونيَّ أمضي.
بعد ذلك استمع الحضور إلى ضيف المهرجان الشاعر عبد الله درامي (من جمهورية مالي)، والذي بدأ إنشاد قصيدته "ما بين ضلعيك"، التي يقول مطلعها:
عيناك موت جماعيٌّ ومعتركُ
إلا أنا كل من كانوا هنا هلكوا
قتلى الأقاحي وقتل الياسمين هوى
هوى وللبخور ضحيا في الدجى تركوا
ما بين ضلعيك إني كنت مختبئا
إلا حناياك مأوى لست أمتلكُ
بعضا من الوقت إني صرت مرتبكا
لا يستقيم كلام قال مرتبكُ.
إلى أن يقول:
نيابة عن عكاظات البلاد ومن
بعروة اللغة الفصحى قد امتسكوا
كهدهد مطمئنا جاء من سبإ
قد جئت أحمل حبَّ الشعر من "بمكو".
كما أنشد قصيدته "المنديل الجريح"، التي يقول مطلعها:
من مقلتيك سهام قد مزقت رئتي
وشعلة أحقرتني منك قد أتت
إلى أن يقول:
قد حدثتني باماكو وهي آسفة
عن أزْمنٍ ليتها لم تمض قد مضت
عن سكر في فمي عن خبزة بيدي
عن موزة لأختي الصغرى لها بكتِ
وعن جنون الصبا عن نرجسيته
عن جرينا تحت أمطار تهاطلت
عن حبسة في يد الجد الحنون وعن
سجادة في مصلى الحي مددتِ.
أما الشاعر محمدن إسلم فقد قرأ ثلاث قصائد من تجربته الشعرية، بدأها بقصيدته "كأهله الدهر"، التي يقول في مطلعها:
كأهله الدهر في طبع فلا عجبا
إن أخلف الوعد أو إن حدث الكذبا
وما دنا من طباع الناس في شبَه
حتى غدا مثلهم حالا ومُنقلبا
تمضي حوادثه سرعى فأتبعها
طرفي لأقرأ من آثارها كُتبا
وختمها بقوله:
عجبتُ من كل نفس غير واجفة
من دهرها، وفؤاد ليس مضطربا
وزادني عجبا أني على صممي
عن عذله سامع من عذله خطبا.
كما قرأ قصيدته "حال الأماني"، التي يقول مطلعها:
حال الأماني إذا حلت بها الهمم
حال المغاني إذا انهلت بها الديم
وذا مرادك يا نفسي وإن بعدت
به الأقاويل واصدت له التهم
إلى أن يقول:
كم يصدق الود ممن لا ابتسام له
ويكذب الود ممن هو مبتسم
هاذي الغيوث إذا ما أضمرت غرقا
في بعضها، نعم في بعضها نقم
ومُدَّعٍ غير ما في النفس يغلبه
على الذي يدعيه الطبع والشيم
كما قرأ قصيدته "كحد السيف"، التي يقول مطلعها:
كحد السيف حدٌّ في الملام
وشِبْه دم الكِلام دم الكَلام
يعاتبني الزمان كأنني في
يدي ما للنوائب من زمام
إلى أن يقول:
على عجل خطاي كأنني من
كنانة همتي أحد السهام
بلا هاد هم الشعراء قبلي
إلى درر الكلام ولا إمام
نثرت إليهم شعري نُضارا
فتاهوا بالنضار عن الرخام
كما استمع الحضور إلى قصيدتين للشاعر آمدو علي إبراهيم من النيجر، قرأهما بالنيابة عنه الشاعر الموريتاني داوود أحمد التجاني جا.
يقول في مطلع قصيدته "أحاديث العروج والمنفى":
أرفعت أشرعة الأماني في المدى
وزرعت دربك في المساء ممددا
ثملا وراء الريح تخترق الغيوم
وتستحث إلى الثريا موعدا
دوما يطاردك المنون فتستهلُّ
على الأهلة بعد موتك موعدا
إلى أن يقول:
هذه الحدائق والشوارع لم تعد
للعشق مهدا أو لحلمك معبدا.
ويقول في مطلع قصيدته "ذاكرة الرؤيا":
يشدو.. وقافلة العشاق تزدلف
فيك المعاني وفيك الوصف يختلف
يا شاعرا مد باسم الله قافية
حتى تعانق فيها الجذع والسعف
ربتْ جراحي وغن اليوم في وطني
فرما عاد عبر اللحن منصرفُ
إلى أن يقول:
صبي الصباحات يا "فيروز" أغنية"
فالفن أجمل في أرض بها لهفُ
واستدرجي رحلة الموال في لغتي
حتى النهايات... حتى يعشق السدف.
بدوره، قدم الشاعر شيخنا عمر قراءة في تجربته الشعرية، بدأها بقصيدته "غَوَايَةُ الرَّحِيل"، التي يقول مطلعها:
نُقُوشِي عَلَى خَدَّيْ رَحِيلِكِ فِي المَسْرَى
حُروفُ مَتاهاتِ الأُفُولِ إذَا اسْتَشْرَى
وَشُرْفَةُ أحْلَامِي تَوَلُّهُ مُرْعَوٍ
تَقُدُّ قَمِيصَ الأمْسِ قُبْلَتُه اليُسْرَى
ويقول فيها:
أُهَدْهِدُ طِفْلَ الرُّوحِ فِي مَهْدِ حُلْمِهِ
وَأَعْصِرُ مِنْ كَرْمِ المَجَازِ لَهُ خَمْرا
لِأَحْمِلَ لِلتِّيهِ المُسَافِرِ فِي دَمِي
طِرِيقًا مِنَ الْمَنْفَى أَقَمْتُ بِهَا عُمْرا..
كما قرأ قصيدته "الوجع المنفيّ..!"، التي يقول مطلعها:
سَيْرًا على وجعي المنفيِّ من دمهِ
مضيءُ دربي تَوَارَى خَلْفَ مُعْتِمِه
عَنْ مِعْصَمِ النُّور حدَّثْتُ الرَّؤَى...فذَوَى
وَرْدٌ تَشَبَّعَ مِن لَذّات مِعْصَمه
إلى أن يقول:
ولِلْجِيَاع مَسَاءَاتُ الكلامِ تَشِي
بِما يَقُول المُنَاجَى عَن مُكَلِّمِهِ
العَابِرُون سَبيلَ اللهِ كَمْ عَبَرُوا..
وَمُتْخَمُ الْجَيْبِ لَم يَعْبَأْ بِمُعْدِمِهِ.
واختتم ولد شيخنا بقصديته المديحية "محراب الضوء"، التي يقول في مطلعها:
مآذنُ رُوحِي نَحوَهَا القَلبُ يَصْعَدُ
لِتَسْتَمِعَ الدُّنْيَا لِمَا سَوْفَ يُنْشِدُ
سَيَرْفَعُ صَوْتِي بالقصيدَةِ مُعْلِنا
بَأنِّي عَلَى فَحْوَى الرِّسَالَةِ أَشْهَدُ
شَهِدْتُ بِأنَّ اللهَ -لَاشَكَّ- وَاحِدٌ
وأنَّ رَسُولَ اللهِ للْكوْنِ أحْمَدُ
إلى أن يقول:
صَلاةٌ علَى ضوْءٍ منِ الحَقِّ سَاقَهَا
إلَى مُنْتَهَى العَليَاءِ حَيْثُ التَّفَرُّدُ
صَلَاةٌ علَى طَهَ الرّسولِ مُحَمَّد
إلَى أنْ تَجِفّ المُفرَداتُ وَتَنْفَدُ.
بعد ذلك قام الشاعر محمد ولد إدوم المنسق الثقافي لبيت الشعر - نواكشوط، بتكريم شعراء الأصبوحة لتتم دعوة الحضور إلى حفل إفطار.
هذا، وكانت إدارة المهرجان قد نظمت ليلة أمس حفل عشاء فني وثقافي فاخر بنفدق آتلاتيك بنواكشوط على شرف المشاركين في النسخة السادسة من المهرجان، وشهد الحفل إلقاءات شعرية وأغان موريتانية أدتها "فرقة عماد لبابة".