اعلي ولد محمد فال.. الرئيس الذي تخلي عن السلطة وغادر القصر الرئاسي بمحض إرادته.. والعقيد الذي أرسى أسس تجربة ديمقراطية يأمل الموريتانيون أن تصمد في وجه التحديات وتضع حدا لعصر الانقلابات، اعتبره الكثيرون نموذجا يحتذي وظاهرة نادرة في العالم العربي..
وتقديرا لجهوده الرائدة في بلده تلقى دعوة كريمة من صاحبة السمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند حرم سمو الأمير (القطري) للانضمام إلى المنظمة العربية للديمقراطية، وحظي باستقبال حار في أروقة ملتقى الدوحة الثاني للديمقراطية والإصلاح السياسي في الوطن العربي، الذي حاضر فيه عن تجربته ورؤيته لأوضاع بلاده وآفاق الإصلاح السياسي في المنطقة.
"الراية" التقت الرئيس ولد محمد فال على هامش المؤتمر. وأجرت معه حوارا جاء فيه:
سؤال: السيد الرئيس، تشاركون الآن في مؤتمر الإصلاح والديمقراطية في الوطن العربي، ما هي النتائج المؤملة من هذا المؤتمر؟
جواب: قبل كل شيء فإن عقد مؤتمر وطرح هذه القضايا على مستوى الوطن العربي في حد ذاته يعد نجاحاً كبيراً لوطننا العربي في رأيي؛ إذ أنه ما دامت القضية طرحت وفُكر فيها وبدأت دراسة الوضعيات كلها والطرق والمنهجيات فإن ذلك يشكل ظاهرة صحية في وطننا العربي ولا بد أن تؤثر على أمورنا في الوطن العربي على نحو أو آخر؛ وهو ما نحسب أنه تقدم مهم وكبير في الاتجاه الصحيح.
سؤال: هناك من يقول إنكم أعددتم هذه التجربة وأنضجتموها ودفعتم بها إلى الأمام ولكنكم تترقبون بعد أن تستقر الأمور أن تتقدموا شخصيا للرئاسة في السنوات القادمة، هل هذا وارد وهل تفكرون فيه؟
جواب: بخصوص هذه القضية التي كثيرا ما طرحت فإنها لم تكن الأساس أو الهدف الرئيسي -أو حتى الهدف الاستثنائي- لما قمنا به في موريتانيا ولا ما قام به الشعب الموريتاني. المسألة كانت تتعلق بتسوية بعض المشكلات لبلدنا ووضع بلدنا في اتجاه جديد يمكن أن يخدم بلدنا ويعطيه أفقا سياسيا. هذا هو الهدف من كل ما جرى في بلدنا والهدف الأساسي والقضايا الأخرى كلها ثانوية وشخصية وستحسم على أسس مصلحة بلدنا وعلى أساس الظروف فيما بعد وليست مطروحة الآن ولا يلزم أن تكون مأخوذة بالاعتبار في كل ما جرى في موريتانيا.
سؤال: لكن ألا تفكرون شخصيا في العودة للسلطة مرة أخرى عبر صيغة الانتخابات التي تمت؟
جواب: ما جرى في موريتانيا ليس تحضيرا لترشحي ولا يهدف لهذه المسألة بالذات الآن. وبخصوص إمكانية ترشحي لمناصب في بلدي أنا اليوم مواطن موريتاني حر أقرر بحسب مقتضيات بلدي وبحسبما يقتضيه الحال في المستقبل إن شاء الله.
سؤال: الرئيس بوصفك عسكريا قدت تغييرا لمصلحة الديمقراطية، كيف توصلت إلى هذه القناعة بتغيير مسار موريتانيا نحو الديمقراطية.. رغم ما يوصم به العسكريون في العادة من أنهم ضد الديمقراطية وضد العمل السياسي والتعددية؟
جواب: ما هو البرهان على أن هناك تناقضا بين العسكر والديمقراطية؟ تاريخيا ما هو التنافر بين العسكر والديمقراطية انظروا إلى الخلفية التاريخية للديمقراطية في العالم، انظروا إلي العسكريين، مثلا الديمقراطية الأمريكية من هو الأب المؤسس لها أليس الجنرال واشنطن، انظروا إلى فرنسا أليس الجنرال ديغول هو الأب الأساسي لترسيخ الديمقراطية في الجمهورية الخامسة، انظروا في انجلترا من هو أبو الديمقراطية هناك لقد كان جنرالا إنجليزيا، كل الديمقراطيات الكبيرة والعريقة كان وراءها عسكري، وإذا نظرتم إلى الإصلاحات تجدون أيضا أن للعسكريين حضورهم فيها، في فرنسا مثلا أليس الجنرال نابليون هو رائد الإصلاح وهو يعتبر أبا للمؤسسات القائمة اليوم.. وهذا قليل من كثير.
سؤال: ولكن ربما تتعلق المشكلة بما يحدث في العالم العربي؟
جواب: العالم العربي ككل المناطق فيه هذا وذاك، حتى بخصوص المدنيين قد لا تكون هناك ديموقراطية؛ فمثلا أليس هتلر مدنيا وهو أكبر ديكتاتور، وفي إيطاليا كانت هناك أكبر ديكتاتورية مع موسوليني وهو مدني، وفي البرتغال كان هناك ديكتاتور هو سالازار أيضا.. وبالتالي ليست القضية قضية تنافر ما بين العسكر والديمقراطية؛ المسألة هي مسألة قناعات شخصية وحينما تتوفر القناعة لدى العسكري أو المدني لا يكون هناك فرق. في التجارب العربية –مثلا- يوجد عندنا نموذج السودان حيث جاءت الديمقراطية ثم حصل انقلاب عسكري.. وهكذا.
سؤال: هل يراودكم هذا الخوف بعد أن صارت لموريتانيا ديمقراطية نموذجية.. هل هناك هاجس من عودة العسكر مرة أخري؟
جواب: لا، لا هذه القضية مطروحة في كل بلد؛ عربيا كان أم إفريقيا أم أوربيا.. وهنا أرجع للتاريخ فألمانيا كانت ديمقراطية وجاء هتلر وجعلها دكتاتورية وإيطاليا كانت ديموقراطية قبل موسوليني الذي حولها إلى دكتاتورية، فرنسا كانت ديمقراطية قبل المارشال دي باتينه الذي جعلها دكتاتورية فاشية، وهكذا كل البلدان حسب الظروف التاريخية وحسب الظروف؛ فكل بلد مهدد، والديمقراطية ليست مكسبا نهائيا لأي بلد مهما كان تاريخه؛ على الشعوب أن تدافع عنها لكنها ليست مكسبا مطلقا وبالتالي فلا يستغرب أن ينتكس في أي بلد، فاحتمال أن ينتكس في موريتانيا مطروح، واحتمال أن ينتكس في السودان مطروح أيضا، واحتمال أن ينتكس في أي بلد عربي آخر مطروح كذلك؛ فالحياة ليس فيها ما هو مضمون باستمرار.. لكن المسألة هي مسألة نضال وبذل جهد ودفاع عن المكاسب والانتكاسة واردة في كل بلد، لكننا في موريتانيا -ولكي لا تكون هناك انتكاسة- اتخذنا جميع الإجراءات والضمانات ووضعنا القوانين التي تحول دون الانتكاسة والعودة إلي الوراء.
الشعب يتصدى
سؤال: تحدثتم عن ضمانات دستورية وراهنتم على أن الشعب سيتصدى بآليات سلمية قانونية. ما هي الآليات التي يمكن للشعب أن يتصدى بها لأي محاولة في تقديركم؟
جواب: سأتحدث عن المنهج الموريتاني لأننا كنا واعين للخطر الذي يمكن أن يحصل بعد التغيير وبعد تسليم السلطة للمدنيين؛ والذي يمكن أن يمس كل الإصلاحات التي جرت في بلدنا؛ وكنا مدركين لذلك وعملنا على كل الجبهات لتفادي أي انتكاسة أو ما إلى ذلك، ولكن حتى هذا لا يشكل ضمانة نهائية، لكن نحن اتخذنا إجراءات نعتقد أنها كفيلة بمواجهة ذلك. أولا حاولنا أن يجد الرئيس الجديد والحكومة الجديدة البلد وقد سويت مشكلاته الأساسية الاقتصادية والسياسية وتراكمات الفساد الاقتصادي الذي كان موجودا في السابق وقد سويناها بطريقة واضحة. من أجل أن تكون هناك انطلاقة جديدة للبلد بطريقة واضحة، وحتى لا تعاني السلطة الجديدة من المشكلات المطروحة، هذا هو الإصلاح الأول الذي قمنا به. الإصلاح الثاني هو إصلاح العدالة حيث حاولنا بكل جهد إصلاح العدالة وهو قضية أساسية للديمقراطية وللحريات؛ حاولنا إصلاحها على ثلاثة مستويات: أولا حاولنا إعطاءها الإمكانيات المعنوية والمادية والقانونية وأعطيناها وجها جديدا مختلفا عما كانت عليه سابقا من أجل تعزيز الحريات والديمقراطية في بلدنا. الإصلاح الثالث هو مسألة الحكم الرشيد، ويعني خدمة الدولة للمواطن على مختلف المستويات. أما المحور الرابع للإصلاح فهو التعديلات الدستورية حيث حاولنا أن نسد الباب أمام أي تعديل أو تغيير غير قانوني فأدخلنا التناوب على السلطة بتقليص المأمورية إلى خمسة أعوام قابلة للتجديد مرة واحدة.
بهذه المحاور الأربعة هيأنا للشعب الموريتاني وللنظام الذي سيخلف المرحلة الانتقالية الأجواء الملائمة؛ حيث تمت السيطرة على الفساد السياسي والاقتصادي، وشرعنا في إصلاح العدالة؛ وبالتالي فليس على الرئيس الجديد والحكومة إلا أن يوطدوا هذه المبادئ ويستمروا على نهج تعزيز هذه المكاسب وصيانتها.
سؤال: تحدثتم عن الإصلاح الاقتصادي وفعلا حصلت أمور مهمة كإلغاء المديونية مثلا، لكن الصحافة الموريتانية تحدثت مؤخرا عن فساد اقتصادي حصل خلال الفترة الانتقالية لدرجة أن البعض تحدث عن فساد يفوق ما حصل في فترة ولد الطايع.. كيف تردون سيادة الرئيس؟
جواب: لا أعتقد أن بوسع أي إعلامي أو أي سياسي أن يتحدث عن هذا الموضوع؛ لأنه لا يوجد أبسط مؤشر على هذا الكلام، وأنا أتحدى.. أتحدى.. أتحدى.. أي اقتصادي أو سياسي في البلد يمكنه أن يأتي بأي دليل على هذه المقولة؛ ولا أعتقد أن بإمكان أي إعلامي مهني أن يتحدث عن الفترة الانتقالية بهذا الشكل؛ لأنه خلال الفترة الانتقالية كان هناك مبدأ الشفافية، وكان كل شيء عندنا في برج من الزجاج (من الشفافية) أي أن كل ما لدينا كان واضحا للجميع وعلى من يريد أن يتكلم بمثل هذا الكلام أن يعطي أبسط دليل، ومرة أخرى أتحدى أي إنسان أن يأتي بدليل على أي قضية فساد خلال الفترة الانتقالية.
سؤال: من الناحية السياسية هناك من تحدث عن تدخل أعضاء من المجلس العسكري في العملية الانتخابية وانحياز بعضهم للرئيس الحالي، ما رأيكم؟
جواب: هذه مسألة طبيعية؛ فنحن كنا خلال الفترة الانتقالية في مسلسل انتخابي من البلديات والنيابيات إلى الرئاسيات وكان التنافس على أشده بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية؛ وبالتالي كان البعض يحاول المساس من منافسه بالقول إن هذا مدعوم من المجلس العسكري أو ما إلى ذلك. وقد قيل هذا عند الانتخابات البلدية والتشريعية والرئاسية؛ لكنه لم يكن يتجاوز كونه ورقة انتخابية، فالكل كان يعترف بعد الانتخاباتب أنها كانت شفافة ونزيهة، ويعترف بالنتائج حصل عليها على امتداد المسار الانتخابي وآخره الرئاسيات؛ فقد اعترف كل مرشح بشفافيتها وبأنه حصد ما منحه له الشعب، وحتى المرشح في الشوط الثاني اعترف بالنتائج وهنأ الرئيس المنتخب.
سؤال: إذن هي مجرد أقاويل؟
جواب: هكذا هي اللعبة السياسية وفي موريتانيا وفي الحقبة السابقة لم يكن بإمكان أحد أن يتكلم؛ لكنا نحن وضعناها في مناخ من الوضوح والشفافية، أضف إلى ذلك أننا حتى لو حاولنا تغيير المسار فإن ذلك لن يكون ممكنا؛ لأننا حددنا منهجية واضحة ووضعنا كل الضمانات التي تضمن للإنسان أن يحصد ما منحه الموريتانيون، وهو أمر خارج عن تصرفنا؛ فهناك لجنة مستقلة للانتخابات، وهناك المؤسسات الدولية التي فتحنا أمامها الباب للرقابة بكل حرية، وهناك مؤسسات وطنية تراقب، والأحزاب موجودة في كل مكتب اقتراع وعلى كل المستويات.. وبالتالي فالأمر كان خارج أيدينا كليا. الخلاصة أن ذلك كان للاستهلاك أثناء الحملة وما إن تنتهي حتى يقر الجميع بما منحته صناديق الاقتراع.
الخصوصية الموريتانية
سؤال: فتحتم باب الحرية في موريتانيا، لكن بعض الإسلاميين اعتبروا أنهم لم يستفيدوا من تلك الحرية.. حيث بقي هناك سجناء منهم، كما لم يسمح لهم بتشكيل حزب سياسي؛ وهناك حديث عن تنسيق مع الولايات المتحدة لمحاربة ما يوصف بالتطرف الإسلامي أو مكافحة الإرهاب، فما رأيكم؟
جواب: ليس هناك أي تنسيق مع أمريكا ولا مع أوربا ولا مع أي طرف مهما كان هذا الطرف في هذه القضية، هذه قضية وطنية ونحن ننطلق فيها من حقائق وطنية وموريتانية وليس هناك منطلق آخر مهما كان، المبدأ الذي انطلقنا منه هو أننا في موريتانيا لنا خصوصية في العالم العربي والإسلامي كله؛ فشعبنا مسلم مائة بالمائة -وأكرر مئة بالمائة- ولا توجد لدينا أي ديانة أخرى تمارس، وهذه هي خصوصية الشعب الموريتاني؛ كما أن كل الشعب الموريتاني على مذهب فقهي واحد -هو مذهب الإمام مالك- ولا توجد مذاهب أخرى لديه. المسألة الأخرى هي الدستور؛ فالدستور والتشريع الموريتاني منبثق من الشريعة الإسلامية ولا يمكن أن يتناقض معها. هذه المعطيات تؤكد أنه لا ضرورة لأن يتحزب أي إنسان في الدين أو يحاول الانفراد به، فكيف يقبل في بلد بهذه المواصفات أن يعتبر حزب نفسه ممثلا وحيدا للدين؟ والدستور الموريتاني أخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار حين نص على أن الدين الإسلامي هو دين الدولة والشعب، ولا يجوز لأي شخص أن ينفرد به؛ وبالتالي فالقضية قضية دستورية وليست مسألة قرار سياسي من السلطة، وهي موجودة في الدستور الموريتاني حتى قبل التغيير وصادق عليها الشعب خلال الاستفتاء الأخير بإجماع وطني؛ وبالتالي فهي ليست مطروحة كموقف سياسي لبلدنا لا خلال المرحلة الانتقالية ولا للسلطة التي كانت قبل الفترة الانتقالية ولا حتى للسلطة الحالية.
وبرؤية أخرى ماذا يعني التحزب في الدين؟ هل يوجد حل سياسي للتحزب في الدين فإما أن يكون الإنسان على طريق صحيح أولا يكون، فالإسلام إذن طريق واحد وليس عشرين طريقة. وإذا حصل اختلاف وتنافر في العقيدة فكيف يمكن إيجاد تسوية سياسية لذلك الخلاف؟ إذا اختلف اثنان في العقيدة فسيعتبر أحدهما نفسه على حق والآخر على باطل؛ لكن الإسلام حق واحد، وبالتالي فمن تحزبوا في العقيدة قد لا تكون هناك تسوية متاحة بينهم غير تسوية البندقية -بمعنى الصراع المسلح- وبالتالي عدم وجود أفق للتسوية السياسية أو أي حل آخر، وهذا هو ما جرى في بعض البلدان التي طرحت فيها مسألة التحزب بالدين، ونحن لسنا مستعدين للصراعات أو التسويات المسلحة.
حزب إسلامي
سؤال: انطلاقا من هذه المبدئية الدستورية التي تحدثتم عنها هل ترون أن بإمكان الرئيس الحالي الترخيص لحزب إسلامي إذا كانت لديه رؤية أخرى للموضوع؟
جواب: المسألة مسألة دستورية، وإذا كان لا بد منها فلا بد من تغيير الدستور من أجل أن يرخص لأي حزب إسلامي موريتاني، لكن هل الموريتانيون يقبلون بتغيير الدستور أو بالسير في ذلك الاتجاه؟ أستبعد ذلك انطلاقا من وعي الموريتانيين، وعلى العموم فالرئيس حر في قراراته ورؤاه، والشعب الموريتاني حر في اتخاذ قراراته، وهو الذي سيقرر، ويقول كلمته إذا ما اقترح عليه تغيير الدستور في هذا الاتجاه.
سؤال: هل تم حل المجلس العسكري؟
جواب: المجلس العسكري لا يحل نفسه وإذا عدتم إلي القوانين الموريتانية ستجدون أنه يحل تلقائيا بالترتيبات الدستورية، وفي الدستور الموريتاني الذي صودق عليه خلال العام الماضي كان هناك ملحق دستوري يبين أن كل السلطات الانتقالية تحل تلقائيا باستلام السلطات المنتخبة لمهماتها؛ وبالتالي فالمسألة ليست بيد المجلس نفسه، فالمجلس العسكري في جانبه التشريعي انتهى عندما استلم البرلمان الجديد عمله؛ كما انتهى دوره في السلطة أيضا عندما استلم الرئيس المنتخب مهماته.
سؤال: لكن البعض يتحدث عن أن أغلبية أعضاء المجلس العسكري ما زالوا في مواقعهم التي كانوا فيها إبان الفترة الانتقالية؟
جواب: من هم أعضاء المجلس العسكري؟ أليسوا ضباطا شبابا من الجيش الموريتاني، وقد كانت لهم وضعية واليوم لهم وضعية جديدة، هم ضباط موريتانيون لكن وضعيتهم السياسية السابقة زالت بالترتيبات الدستورية التي تحدثت عنها قبل قليل، ودورهم السياسي انتهى مع انتهاء الفترة الانتقالية، لم يبق لهم إلا بذلتهم العسكرية ومهنتهم العسكرية البحتة وممارسة دورهم العسكري وما يحكمهم اليوم ليس وضعيتهم السابقة كأعضاء في المجلس العسكري الذي انتهى؛ وإنما تحكمهم كضباط موريتانيين قوانين المؤسسة العسكرية، والرئيس، وصلاحيات الرئيس.. وهم كضباط -وبشكل فردي- يمكن للرئيس أن يسند إليهم أي مسؤولية عسكرية أو أي مسؤولية أخرى بحسب صلاحياته وبحسب قوانين البلد، وبوصفه قائدا أعلى للقوات المسلحة؛ وبالتالي فالمسألة ليست مسألة أشخاص. فعلى الجميع أن يفهموا أن المسألة تتعلق بضباط يخضعون للمؤسسة العسكرية وينطبق عليهم ما ينطبق على أي ضابط في المؤسسة العسكرية.
سؤال: حذر أحد قادة الأحزاب السياسية مؤخرا من عودة مسلسل الانقلابات ما لم تتم إصلاحات حقيقية.. ما هي الضمانات التي تقدمها المؤسسة العسكرية لعدم حصول انقلابات مجددا؟
جواب: المؤسسة العسكرية لم تعد معنية بأي دور في الحكم السياسي؛ بل عادت لدورها التقليدي الذي هو الدفاع عن الوطن وحماية قوانين الوطن حسب أوامر رئيس الدولة، الدور السياسي اليوم يرجع للمؤسسات الدستورية الرئاسية والبرلمانية فقط؛ ولا ينبغي لأي حزب سياسي أن يتحدث عن أي دور سياسي للمؤسسة العسكرية الآن.
العلاقات مع إسرائيل
سؤال: في لقاء لكم مع قناة الجزيرة مؤخرا دافعتم عن العلاقات مع إسرائيل مجددا. هل تعتبرون أن موقفكم ملزم أيضا للرئيس الحالي؟
جواب: أنا تكلمت عن تاريخ هذه العلاقات وتكلمت عن رأيي الشخصي والسياسة التي انتهجتها شخصيا حينما كنت رئيسا للبلد، وعن أسباب هذه العلاقات وتاريخها ومبرراتها.. الرئيس الجديد هو رئيس البلد وله صلاحياته الكاملة، وهو وحده الذي يقرر ما هي السياسات الخارجية والداخلية للبلد، وهو وحده المعني -والمؤسسات الدستورية للبلد- باتخاذ القرار؛ أما أنا فلم أعد معنيا بأي قرار للدولة الموريتانية، وما تكلمت عنه هو فقط تاريخ هذه العلاقة والفترة التي كنت معنيا فيها بأمور البلد ومازلت مقتنعا بما كنت مقتنعا به.
سؤال: إذن فأنتم مقتنعون بأهمية وجدوى هذه العلاقة حتى في ظل ما تفعله إسرائيل الآن، ومع أنها لم تقدم أي بادرة سلام منذ أن أقامت معها موريتانيا هذه العلاقات؟
جواب: بخصوص هذه المسألة فهي لا تخص موريتانيا فقط؛ لكنها اتخذت هذا القرار انطلاقا من وضعية عالمية جديدة ومن وضعية سياسية جديدة للعالم العربي ،وانطلاقا من معايير جديدة للقضية العربية الإسرائيلية، واستنادا إلى مواقف عربية معينة، ومبادرات عربية.. وعلى هذا الأساس اتخذت قرارها لخدمة هذه القضية كقضية عربية، وليس من زاوية موريتانية بحتة؛ لأن موريتانيا ليست لها مصلحة خاصة في هذه القضية، وهذا هو منطلقنا، والمبرر لا يزال قائما وإذا كانت هناك رؤية جديدة واتفق عليها العرب فموريتانيا جزء من هذه الأمة وهي مستعدة لأن تسعى لما فيه مصلحتها.
سؤال: في بداية فترة الحكومة الجديدة في موريتانيا واجهتها تحديات كثيرة من بينها مسالة المخدرات ومشكلات الكهرباء والماء.. هل تعتقدون أنها قادرة على مواجهة هذه التحديات، ولماذا لم تبرز هذه التحديات خلال الفترة الانتقالية؟
جواب: يجب أن نكون موضوعيين؛ فالرئيس الجديد استلم السلطة منذ 45 يوما والحكومة تسلمت مهماتها منذ ثلاثة أسابيع، هل يمكن لأي سلطة بمثل هذا العمر أن تسوي المشكلات المطروحة لها وهي لما تتعرف بعد على المشكلات المطروحة أمامها، هل يعقل أن تطرح المسألة على أنها فشل للحكومة وفشل للرئيس؟ ينبغي أن نترك لهم الوقت حتى يتعرفوا على المشكلات، وما من هيئة تستلم السلطة إلا واجهت مشكلات جديدة وتحديات وارتباكا بسبب تبادل الإدارات. وما ظهر في الأسابيع الماضية هو ارتباك طبيعي، وإذا كان قد وقع في موريتانيا فهو يقع أيضا في فرنسا وفي أي بلد آخر؛ وهو راجع لتغير الإدارة والوزراء، وهكذا تكون كل بداية.. فيجب أن تتاح لهم الفرصة حتى يتضح للكل ما له وما عليه؛ وبالتالي فالمسألة طبيعية وهي مؤقتة ولا يحكم بها على الرئيس الجديد ولا الحكومة الجديدة.
سؤال: لكن هناك من يتساءل لماذا لم تبرز هذه التحديات خلال الفترة الانتقالية مثلا؟
جواب: لقد واجهتنا آلاف المشكلات خلال الأسابيع والأشهر الأولى؛ ولكن كانت لنا ميزة نختص بها عن الحكومة الحالية وهي أننا كنا داخل النظام ونعرف المشكلات المطروحة وأبعادها والتعامل معها؛ وذلك ما مكننا من مواجهتها بسرعة ووضع الحلول المناسبة لها؛ أما الحكومة الحالية فقد كانت بعيدة عن أمور الدولة، وبالتالي فهي تحتاج إلى فترة زمنية للتعرف على المشكلات والبحث عن حلول واتخاذ القرارات، ولا داعي لتضخيم الأمور والتسرع في إصدار الأحكام.
سؤال: السيد الرئيس، كيف تقضون أيامكم بعد تنحيكم عن السلطة وكيف وجدتم الحياة خارج القصر؟
جواب:أنا لم أتعود أبدا على القصر، ولم أحب أن أتعود على القصر، وليست هناك أية صعوبة في التأقلم مع وضعيتي الجديدة.
سؤال: في الختام.. هل تفكرون في كتابة مذكرات عن تجربتكم في الحكم ومسيرتكم بشكل عام؟
جواب: سندرس ذلك ونفكر فيه إن شاء الله.
- نشكركم فخامة الرئيس.
المقابلة أجرتها صحيفة "الراية" القطرية، واعادت نشرتها يومية السفير في عددها: 524 الصادر بتاريخ 30 مايو 2007