مضت ثلاث أشهر على إعلان المرشح للرئاسيات سيدي محمد ولد ببكر رسميا عن ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية.
لم تكن هذه الفترة كافية لغيره من المرشحين لإقناع الرأي العام بأهليته للمنصب خاصة مرشح السلطة القادم من المؤسسة العسكرية.
فلم يمض أسبوع على تحديد موعد ترشح سيدي محمد ولد ببكر حتى بدأت قوافل العرب من الشام و العراق تتوافد إلى الى الرجل تحمل معها فلذات أكبادها غير آبهة بمخاطر الرحلة و بما يترتب عليها من مواجهة مع الحرابيين و اللصوص و قطاع الطرق و المتربصين من أعداء الرجل و مناوئيه.
توافدت القوافل من كل حدب و صوب، و جاء ممن جاء عمالقة السياسة و فلاسفة الأرض و حكماؤها و شجعانها و فرسانها يحملون لواء النصر و التأييد و المساندة.
لم يكن أحد يعرف أسباب توافد الناس على ولد ببكر بالذات، فالرجل ليس جزءا من منظومة ولد عبد العزيز المهيمنة و ليس مدعوما من طرفه، و لا يرغب حتى في ترشحه.
و ليست هناك أسباب وجيهة تجعل منه الرجل الأوفر حظا خاصة أنه في تلك اللحظة التي أعلن فيها ترشحه كان ولد عبد العزيز قد اختار صديقه الجنرال غزواني كمرشح عن نظامه المنصرف.
لقد فاجئ ولد ببكر الشارع كما فاجئ القصر و ساكنيه الذين كانوا يتصورون أن ولد ببكر لن يحظى بدعم من رجال كانوا بالامس القريب أقرب إلى النظام منهم إلى المعارضة.
بدأ النظام يستشعر خطورة الرجل و ما يشكله من تهديد، و لأنه ليست لديه وسائل سوى تشويه سمعة الرجل، بدأ يقوم بفبركة قصص تعودت فصائله المتناحرة فيما بينها على استخدامها، فكانت سلاحا يستخدمونه ضد بعضهم البعض.
فقالوا في البداية أنه قادم من النظام البائد، و كأن نظامهم هم ليس بائدا، و قد استخدموا شتى الوسائل لمهاجمته من خلال مقابلاتهم التلفزيونية و من خلال مناشريهم و مدونيهم المأجورين.
ثم ما لبثوا أن اكتشفوا أنه لا أحد يصدقهم، فأتهموه بأنه مدعوم من طرف اللوبيات اليهودية، ثم ما لبثوا أن اكتشفوا أيضا أن لا أحد يصدقهم، من ثم جاؤوا ببهتان آخر أكبر من ذلك على لسان عزيزهم المنصرف، فقالوا عنه أنه إرهابي، و لكن كلما تحدثوا عنه بسوء زاد هو إصرارا في عدم التعرض لهم و عدم المساس بهم و عدم مجاراتهم في حروبهم التي تعودوا عليها، علمهم كيف تكون المنافسة خالية من الإساءات و البذاءات، و علمهم أيضا الفرق بين التخبط و العمل بروية.
أحسن صنعا حين قرب الشباب و أساؤوا حين استغلوا الشباب و علقوه و استبدلوه بأشخاص لا محل لهم من الاعراب.
أحسن حين وقف في صف المظلومين من أول يوم، حين دعم المسجونين ظلما، حين استنكر تجاهل النظام لمجازر أكليب اندور، حين قدر الصحافة و احترمهم و التقى بهم و استمع إليهم و دون ملاحظاتهم، و أساؤوا هم إلى الصحافة حين قربوا أسوأها و أبعدوا أحسنها.
أحسن حين اتخذ من العلم و الخبرة و التجربة و الفطنة معايير لتعييناته و اتخذوا من المحسوبية و الزبونية و الولاء الأعمى معايير لتعيناتهم.
أحسن حين قال شعرا في القدس، و أساؤوا حين تبجحوا بإغلاق سفارة إسرائيل لأغراض سياسية.
أحسن حين استنكر تشكلة اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات و أساؤوا حين راوغوا و من ثم رفضوا أن يتم تغيير اللجنة المستقلة للانتخابات رغم أنها تتشكل من خال و أخ و صهر و حمى و ابن عم.
أحسن حين التقى الناس رجالا و نساء و احترم و قدر الجميع، و أساؤوا حين أوصدوا أبوابهم أمام الصادقين و الخيرين و فتحوا نوافذهم للصوص كي يدخلوا عليهم، فلا يعرف اللصوص طريقا يدخلون منها سوى النوافذ.
أحسن حين كلف نفسه مشقة التجوال في شوارع انواكشوط و بين أسواقه، و أساؤوا حين تركوا تلك الأسواق بأوساخها و أمراضها تفتك بالمواطنين.
أحسن حين عبر عن نيته في تعزيز دولة المؤسسات، و حمايتها من الاستغلال الفردي، و أساؤوا حين رسخوا تلك المفاهيم في نفوس صغار و كبار الموظفين و حين دمروا المؤسسات و أفسدوا العدالة و غيبوا القانون و أحلوا محله قانون الغاب.
أحسن حين وقف مسافة واحدة من كل دول العالم، و اساؤوا حين دخلوا في سباق ماراتوني من أجل الفوز برضى محمد بن سلمان و محمد بن زايد، و حين أساؤوا إلى الإخوة و الأشقاء.
أحسن حين كان دبلوماسيا، و أساؤوا و هم اليوم يمثلون هذا الشعب المطحون حتى لدى المملكة التي لا تغيب عنها الشمس.
أحسن حين كان وزيرا و حين كان وزيرا أولا و أساؤوا و هم وزراء و وزراء أولين، و نهبوا المال و دمروا مصالح الشعب على حساب مصالحهم الضيقة.
نهبت موريتانيا على أيديهم و دمرت الاخلاق و استعبد الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.
جاء ولد ببكر لحماية موريتانيا بينما جاء غيره لحماية ولد عبد العزيز و ممتلكاته و قصوره و صفقاته المشبوهة و منازله المؤجرة عشرين سنة قادمة، و لحماية حلي "أختي" و للمساهمة في استمرار نهج "بدر" و نهج أبيه، و حاشية أبيه من الفارين من العدالة و الفارين يوم الزحف، و الفارين من مبادئهم التي تربوا عليها يوم كانوا حالمين بالوصول إلى ما وصلوا إليه، تخلوا عن كل شيء، مقابل قبلة على ظهر يد عزيز، و انحناء أمام الجنرال غزواني.
تلك علامات نصر ولد بوبكر، و ما النصر إلا من عند الله.
إحسان ولد ببكر سيكون شاملا لكل الموريتانيين و إساءة عزيز و زمرته سيكون فقط لأنفسهم، من منطلق الآية الكريمة : (( و لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله)). صدق الله العظيم
ذ/ محمد فاضل الهادي