للإصلاح كلمة : تعرف المسلم بالإسلام والمسلمين / محمدو بن البار

27. فبراير 2019 - 13:24

كلمة الإصلاح هذه المرة قصدت كتابة هذا العنوان الذي يوهم وجود الدور والتسلسل فيه ـ عند كلمة تعريف المسلم بالإسلام والمسلمين بمعنى أن المسلم سيعرف له ما هو المسلم ـ إلا أن من يقرأ قوله تعالى مخاطبا المؤمنين((يأيها الذين آمنوا آمنو بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله))إلى آخر الآية يزول عنه تلقائيا هذا الوهم أو الشك في الدور والتسلسل في العنوان .

فلفظ المسلم الأول في العنوان يعنى يا من تزعم أنك مسلم مثل قوله تعالى في الآية يا من تزعمون أنكم مؤمنون بالله ورسوله آمنوا بالله ورسوله ـ فلتكن أعمالكم طبقا لما أمر الله به وطبقا لما انزل في كتابه على رسوله .

فالمسلم الأول خطابا لمن جعل الإسلام عقيدته والثاني تعريفا للمسلم بالسلوك في التفكير والأقوال والأفعال ليطابق دعواه سلوك حياته كلها .

وهناك آية توضح معنى الآية أعلاه وبذلك يتضح معنى العنوان وهي قوله تعالى((ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به )) إلى آخر الآية .

أما التعريف بالإسلام نفسه فهناك تعريف بالعبادات الإسلامية فيما بين كل إنسان بمفرده وبين ربه وهو التعريف الذي تضمنه حديث جبريل عليه السلام الذي أوضح فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنه هو دين المسلم وأن جبريل جاء ليعلمه للمسلم .

أما دين الله في المعاملات فيما بين الناس والناس فهو الذي جاء مفرقا في الآيات القرآنية بصيغة الأمر من الله وبلغة النبي صلى الله عليه وسلم لكافة الناس إما بقرآن يتلى أنزله الله على رسوله وإما بسنة صحيحة ترجم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما يوحى إليه ربه لتبليغه لعباده ، يقول تعالى((وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )) ويقول تعالى(( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب )) .

وعليه فإن من يستمع إلى هذا القرآن المتلو وإلى تلك السنة المحفوظة وينظر في نفس الوقت إلى أقوالنا وأفعالنا نحن المعنيين بفحوى ذلك فسيدرك أننا نحتاج إلى من يجدد أو يذكرنا بحقيقة الإسلام قولا وفعلا وفكرا .

وقبل أن نتعرف على ما هو الإسلام ينبغي لنا نحن المسلمين المعترفين به أن نجتمع لنتدارس فيما بيننا من نحن ؟ وما هو فهمنا لمصيرنا طبقا لنصوص الإسلام ما شاهدناه من ذلك وما أخبرنا به الإسلام من ما هو غائب عنا عن طريق الوحي الذي بلغه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فطبقا لتلك النصوص المشاهدة عن حياتنا فنراها كما هي مثل كيفية خلقنا ونمو أجسامنا وانتهاء حياتنا في مدة حدد الرسول صلى الله عليه وسلم أغلبها فيما بين 60 إلى السبعين ـ وإذا تجاوزنا ذلك فلاشك أننا شاهدنا الحياة تتغير بعد ذلك العمر إلى ضعف ينكس الحياة كأنه يطويها ويهيئها للرحيل .

أما ما هو غائب عنا ونتيقـنه مثل المشاهدة فيأتي مباشرة بعد انتهاء ذلك العمر المحدد أعلاه وقد يزيد قليلا وقد لا يبلغ العمر ذلك الزمن المحدد غالبا (( ومنكم من يتوفى من قبل )) .

ولكن ما هو الغائب عنا ونتيقن وقوعه ؟ والجواب على هذا التساؤل يأتي للمسلم مفصلا في النصوص التي تزعم أنك آمنت بصدقها كما آمن بصدق المشاهد فيها .

وأول النصوص التي يلفت المولى عز وجل إليها نظر كل إنسان ولا سيما المسلم هي قوله تعالى:(( فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون )) .

فهذا المشهد المشاهد منها والذي يشملنا جميعا رئيسا ومرؤوسا غنيا أو فقيرا سياسيا أو منعزلا : الجميع على حد سواء ((إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم ، وإن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين)) فعنده موقف خاص به وتفصيله في آيات وأحاديث أخرى وليس قطعا مثل الأول وقطعا كذلك ليس مثل المكذبين الضالين الذين نزلهم المعد لهم هو : من حميم وتصلية جحيم .

ويفهم من هذا التقسيم الذي يتكرر كثيرا في القرآن أن مشاكل الشخص الذي كان يسبح فيها في الدنيا سواء كان رئيسا أو صحفيا أو وزيرا أو نائبا : فالذي يوحى به التفكير الخالص المتميز أن كل هذه المشاكل أصبحت بالنسبة لمن بلغت روحه الحلقوم لا علاقة له بأي حال من الأحوال في تفكير صاحبها وهو أثناء هذا الحال أو ما بعده .

اللهم إلا إذا كان هذا الإنسان من المقربين فإن له معاملة مع الله بعد الموت لا يعرفها إلا الله كما أن له كانت معاملة خاصة مع الله في الدنيا ، فهو قطعا ممن لا يحمل ظلما في الدنيا لأي أحد من أهلها لقوله تعالى((وقد خاب من حمل ظلما )) وقوله تعالى((أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال بعيد)) .

وهذا الثنائي المصير للإنسان كله وبعد موته مباشرة يتكرر كثيرا في القرآن موجه فيه سؤال إلى كل إنسان رئيس أو مرؤوس إلى آخر وضعية كل إنسان يقول تعالى (( مثل الجنة التي أعد للمتقين تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار)) .

وهذه بشارة وإنذار في شكل بلاغ مستعمل سريع الايقاع ومثله بلاغ آخر أكثر تفصيلا وأحلى وعدا وأوجع وعيدا يقول تعالى(( مثل الجنة التي أعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم )) كمن هو خالد في النار وسقوا ماءا حميما فقطع أمعاءهم ،هذا التزاوج بين الخير والشر بعد الموت مباشرة على من يزعم أنه مسلم أن يعلم أن هذا كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فلا يغيره تفكير ولا استعداد لأحداث الدنيا بل هو مخطط له في زمانه ومكانه

فعلينا نحن معاشر الكتاب والمدونين والمنخرطين في الأحزاب والمصفقين والمعارضين أن نعلم ونتيقن أن الآيات القرآنية وما جاء فيها والأحاديث الصحيحة وما يفهم من فحواها لا تعنى البهائم في الدنيا ولا تعنى الملائكة لأنهم خلقوا من نور ولا تكليف عليهم ولا تعنى الشياطين لأن مصيرهم الذي اختاره لهم الشيطان معروف وواقع لهم لا محالة يقول تعالى (( فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون)) يقول الغاوون(( تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين )) .

بل إن أوامر هذه الآيات وتوجيهها خاص بهذا الإنسان ولكن كل هذا الإنسان الذي لا يتحكم في عدم وجوده في الدنيا ولا يتحكم أصلا في من سيكون أبوه ولا أمه ولا يتحكم في قدر حياته ولا كيف يموت ولا أين يموت ولا مصيره بعد الموت ، وكذلك هذه الأوامر العامة والمصير المشترك يدخل كل دولة بل يدخل كل بيت يطلق على ساكنه أنه إنسان من غير تغيير للمعاملة حسب ما يرد في النص القرآني أو السنة .

فكل إنسان سوف يحاسب حسب ما أعطاه الله من نعمائه إن كان أعطاه رئاسة فهو الذي يتوجه إليه قوله تعالى(( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )) .

فعاقبة الأمور كلمة عامة في جميع الأمور لكنها خاصة هنا بعاقبة المذكور في الآية وهو مسؤولية من مكن الله له في الأرض ، فهو الذي يمشى مع فحوى الآية لا أن الآية تمشى مع فكره هو في مزاولة مسؤوليته .

وكذلك من أعطاه الله جاها مؤثرا أو قلما معبرا أو شخصية كرزمية إلى آخره بمعنى أن كل مسلم أعطاه الله تأثيرا في الدنيا يمكن أن يصرفه في أي شيء من نواحي الحياة الإيمانية الوارد أوامرها في هذه المعجزة الباقية مع هذا الإنسان تدق عليه بابه كل ساعة لتنبيهه على مصيره المحتوم يقول تعالى للإنسان (( ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين )) .

هذا عطاء الله أما أوامره المتعلقة بهذا العطاء هي قوله تعالى((فلا أقتحم العقبة وما ادريك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا )) .

هذه الآية تشير إلى عنوان هذه الكلمة وهو " تعريف المسلم بالإسلام والمسلمين " لأنها أشارت بعد أوامرها باقتحام العقبة وحددت تلك العقبة وليست العقبة هنا في الصلاة ولا الصوم الخ ولكنها في الشؤون الاجتماعية وبعد أن يكون الشخص مؤمنا لأن الإيمان هو الذي يتوجه إليه الخطاب ولذا دائما يقول المولى عز وجل مخاطبا عباده (( فاتقوا الله إن كنتم مؤمنين)) .

وعلى كل حال فإن كلمة الإصلاح هذه المرة موجهة رأسا إلى السياسيين والكتاب والحزبيين بدءا من الرئيس المنتهية ولايته والقادمة ولايته مع أن الجميع ستطوى حركاته وسكناته وانتهاءا بخدم مكاتب الجميع ، فالمسؤولية والمصير واحد كل حسب مسؤوليته والله وحده هو الذي يعلم المفسد من المصلح .

وملخص هذه الكلمة تذكير المسلمين كل المسلمين بهذا المصير القريب الذي يكون فيه المسلم إما أن يسحب في النار على وجهه وإما أن يكون في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر .

فالسحب على الوجه يكون للمجرم أيا كان بعد موته مباشرة يقول تعالى(( إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر )) وفي آية أخرى هم مقرنين مع أصدقائهم المجرمين في أي دولة (( وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد)) أما الجلوس في الجنة في مقعد صدق فسيكون باتقي (( إن المتقين في جنات ونهر ...))الخ الآية .

وهذا الإجرام وهذا التقى يحصلان بكلمة واحدة قولا أو فعلا يقول صلى الله عليه وسلم:" إن أحدكم ليتكلم بكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها سبعين خريفا في جهنم" أو كما قال صلى الله عليه وسلم ومثل ذلك الكلمة الطيبة يرفع الله صاحبها إلى مكان من الجنة ما كان أن يظن أنها تبلغه ذلك .

فعلى جميع من تشغله السياسة الآن عن سلوك أوامر الله أمرا أو نهيا أن مصيره الأخروي لا يتحكم فيه هذا الانشغال بل طبقا لما كتب أعلاه ، وهذا يلخصه المولى عز وجل في قوله تعالى(( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ....)) .

تابعونا