مع أن خيوط الدبلوماسية الموريتانية يديرها الرئيس بمفرده، فقد تفاءل محللون مهتمون بمسار العلاقات بين موريتانيا والمغرب، أمس بتعيين إسماعيل ولد الشيخ أحمد وزيراً للخارجية الموريتانية ورأوا فيه مؤشراً على تحسن مرتقب للعلاقات بين نواكشوط والرباط المتوترة منذ سنوات.
وضم هؤلاء المحللون المتابعون لهذا الملف، تصويت موريتانيا الأخير لصالح استضافة المغرب لمونديال 2026، لمؤشرات التحسن المرتقبة والتي من ضمنها طرد الحكومة المغربية آخر العام الماضي، لرجل الأعمال الموريتاني المعارض محمد بوعماتو الذي كان مقيما في مراكش.
وستتضح أكثر مؤشرات التحسن، إذا قرر الملك محمد السادس القدوم إلى موريتانيا للمشاركة في القمة الثانية والثلاثين للاتحاد الإفريقي المقررة يومي 1 و2 يوليو/تموز المقبل بنواكشوط.
وأكد مراقبون لهذا الشأن في توضيحات لـ «القدس العربي»، أمس «أن إزاحة ولد أحمد إزيد بيه عن الخارجية الموريتانية سيكون له انعكاس إيجابي كبير على تنشيط العلاقات مع المغرب باعتبار أن وزير الخارجية المقال كان مهندس التقارب مع الجزائر الذي يتزامن عادة مع الابتعاد عن المغرب».
وسبق للملك محمد السادس أن اعتذر عن استقبال ولد أحمد إزيد بيه الوزير المقال، عند وصوله للرباط حاملاً دعوة للعاهل المغربي لحضور القمة العربية التي عقدت في نواكشوط يوم 25 يوليو/تموز 2016.
وألغى الرئيس الموريتاني في التعديل الأخير كتابة الدولة للشؤون المغاربية والإفريقية والموريتانيين في الخارج ليجمع وزارة الخارجية بكافة قطاعاتها للوزير الجديد، وهو مؤشر على الثقة الكاملة في الوزير ولد الشيخ أحمد الذي أصبح اليوم الربان الوحيد للوزارة.
وينتظر الجميع الآن ما إذا كان الوزير ولد الشيخ أحمد الذي استهل مقابلاته أمس بلقاء السفير السعودي، سيتمكن من تنشيط علاقات موريتانيا بجيرانها، أم سيظل الوضع كما كان عليه سابقا.
ويتوقع عارفون بشخصية الوزير ولد الشيخ أحمد «أنه سيسعى لإضفاء بصمته على الدبلوماسية الموريتانية، بالرغم من كونها بيد الرئيس ولد عبد العزيز يديرها بشكل منفرد».
وتوجهت العلاقات المغربية – الموريتانية مؤخراً نحو التحسن بعد أن استلم السفيران المغربي حميد شبار، والموريتاني محمد الأمين آبي عمليهما في نواكشوط والرباط وسلما نسخا من أوراق اعتمادهما لوزيري خارجية البلدين.
وتتأرجح العلاقات الموريتانية – المغربية منذ سنوات بين مظاهر التحسن وعلائم التوتر، رغم التفاؤل الكبير الذي تعكسه التطورات الأخيرة.
ويعتبر المجال السياسي والدبلوماسي المجال الأكثر توتراً في هذه العلاقات، بينما يشهد قطاع المبادلات التجارية توسعاً ملحوظاً حيث بلغ الحجم الإجمالي للمبادلات التجارية بين المغرب وموريتانيا 1397 مليون درهم خلال 11 شهراً الأولى من سنة 2015، وبلغ حجم الصادرات المغربية إلى موريتانيا، برسم السنة نفسها، ما قيمته 1390 مليون درهم، كما أن الواردات المغربية من السوق الموريتانية، بلغت خلال الفترة نفسها 7 ملايين درهم.
وتشهد العلاقات بين المغرب وموريتانيا توتراً سياسياً منذ سنوات، كان من بين نتائجه أن الحكومة الموريتانية أخرت تعيين سفير جديد لها بالمغرب حتى عام 2016 رغم تقاعد سفيرها السابق محمد ولد معاوية سنة 2012.
وبدأ توتر العلاقات بين البلدين الجارين في الظهور إلى العلن منذ قيام نواكشوط سنة 2011 بطرد مراسل وكالة المغرب العربِي للأنباء في نواكشوط، وأمهلته 24 ساعة لمغادرة أراضيها، وهو القرار الذي اعتبره المغرب آنذاك، غير ملائم.
وعرفت هذه العلاقات توتراً كبيراً نهاية 2015 حين قامت موريتانيا برفع علمها فوق مباني مدينة الكويرة التي يعتبرها المغرب جزءاً من ترابه وتصاعد هذا التوتر بعد اتهامات وجهتها الأوساط المغربية للحكومة الموريتانية بنزوعها في نزاع الصحراء من الحياد الى دعم مواقف جبهة البوليساريو الانفصالية.
ويسجل في التاريخ المغربي أن موريتانيا كانت جزءاً من المملكة المغربية، ورفض المغرب حتى 1969 الاعتراف بموريتانيا دولة مستقلة.
ولا يتوانى مغاربة في التذكير بهذا بين فترة وأخرى، فيخلق ذلك أزمة تسعى الدبلوماسية لإخمادها قبل تطورها، في ظل ارتياب باطني موريتاني من «أطماع» مغربية باسترجاع التاريخ و«استعادة» موريتانيا جزءاً من المغرب، وهذا «الارتياب» الذي كثيراً ما يكون مرجعية لقراءة موريتانيا لأي موقف مغربي يتعلق بموريتانيا او قضية تهم موريتانيا.
ومنذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، أصبحت قضية الصحراء الغربية، حاضرة سلبا أو إيجابا في العلاقات بين الرباط ونواكشوط، وفي اتفاقية مدريد التي تضمنت انسحاب إسبانيا من الصحراء، تقاسم المغرب وموريتانيا المنطقة، لكن الوضع الداخلي الموريتاني ووهن جيشها والارتباط القبلي بين الصحراويين والموريتانيين، والانقلاب العسكري الذي عرفته موريتانيا 1978، أدى إلى انسحاب القوات الموريتانية في آب/ أغسطس 1979، من منطقة وادي الذهب/ جنوب الصحراء، واستعادة المغرب لهذه الجزء من الصحراء، ويسود في المغرب شعار «من طنجة للكويرة» لكن الكويرة بقيت في الجانب الإسباني وهو ما يزعج الموريتانيين من هذا الشعار.
وإذا كانت نواكشوط طرفا بالنزاع الصحراوي من 1976 إلى 1979، فإنها أعلنت بعد ذلك تبني موقفاً محايداً بين المغرب وجبهة البوليساريو، التي اعترفت بجمهوريتها من دون أن تفتح سفارة لها، لكنه ليس دائما حيادا متوازنا، إذ دائما يميل إلى هذا الجانب أو ذاك، في بعض الأحيان لحسابات سياسية وأحيانا أخرى لحسابات إقليمية بحكم وجود الجزائر بقلب النزاع الصحراوي، وأحيانا لحسابات داخلية.
ومنذ تولي محمد ولد عبد العزيز رئاسة موريتانيا عام 2008، ذهبت العلاقات نحو توتر لا يغيب، وإجراءات تعبر عن قلق، واتهامات غير رسمية لكنها مباركة من المسؤولين، هنا أو هناك.
ومنذ عدة أشهر أصبحت منطقة الكركرات، نقطة الحدود الموريتانية – المغربية، وبوابة المغرب البرية لأفريقيا، عنوانا من عناوين التوتر، إذ قامت القوات المغربية في صيف 2016، في خطوة أقلقت موريتانيا، بتنظيف المنطقة الواقعة خارج الجدار الأمني الذي شيده المغرب على حدوده مع موريتانيا بالجنوب والجزائر في الشرق، لمنع هجمات قوات جبهة البوليساريو.