تلعب التساقطات المطرية دورا هاما في كميات المياه التي توجد على كوكبنا، تبعا لكميات التبخر وحركة التيارات الهوائية وطبيعتها.
ولئن كانت تلك التساقطات تشكل أهم مصدر لتغذية الفرشة الباطنية والمسئولة عن عمليات الإنبات لمختلف أنواع الغطاء النباتي من أعشاب ونجيليات وأشجار ..فإن ندرة تلك المياه أو النقص في كمياتها ينعكس سلبا على عناصر البيئة المختلفة...
وقد شهدت بلادنا خلال العقود الماضية وخصوصا مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، موجات جفاف حادة ناجمة عن تقلص المساحات الخضراء لصالح البيئة الصحراوية وما يعني عن ذلك من زحف للرمال وإتلاف للمراعي ..فتدهور المحيط الحيوي مخلفا خسائر كبيرة على مستوى الثروتين الحيوانية والزراعية فاكتسحت جموع القرويين والرحل النازحين عواصم المدن الرئيسية، مساهمين في خلق اختلالات مجالية بين الوسطين الحضري والريفي.
كان لا بد للدولة ـوالحالة هذه ـ حينها أن تتدخل وبشكل مباشر للتخفيف من وطأة ضربات الجفاف تلك على الساكنة المحلية، ذلك الاهتمام الذي بدا جليا عبر مختلف الخطط الاقتصادية التي شهدتها البلاد آنذاك، وبالرغم من تلك الإجراءات والتدابير المتخذة فإن ذلك لم يجدي نفعا في وقف ذلك النزوح الهجري، الذي شكل ضغطا كبيرا على المدن الكبرى وخلق أزمة خانقة تجلت في إفراغ المجالات الريفية من ساكنتها لصالح مجال حضري لم ينضج بعد لاستعاب تلك الأعداد الهائلة من السكان مما أدى إلى ترييف مدن لا يمكن أن توصف بهذا الوصف ـإلا تجوزاـ وذلك لضعف وهشاشة بنيتها التحتية ومرافقها الأساسية، التي لا يمكن أن توفر الحاجيات الأساسية لتلك الأعداد المتزايدة من السكان.
بيد أن العامل المناخي لا يمكن أن يلقى عليه باللائمة لوحده فحسب، إنما هناك عوامل أخرى من بينها البعد عن تعاليم الدين الحنيف وعدم امتثال أوامر الله، من منع للزكاة وتطفيف للكيل وتعاطي للربا..وقد نهوا عنه..كلها عوامل تجذب القحط وتلحق العقوبات الدنيوية قبل الأخروية، قال تعالى : "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. الروم الآية (41) "، وفي الحديث: " .. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا.. ".
إن النقص الحاد خلال السنوات الفارطة في كميات الأمطار، خصوصا ما وقع منها إبان هذا الفصل، يحتم على الجهات الرسمية أن تتخذ التدابير اللازمة حتى لا يحدث نفس السيناريو السالف، وحتى لا تفرغ المجالات الداخلية من النزر القليل الذي تبقى من ساكنتها لصالح مجالات حضرية أخرى ناءت بأعبائها ومشاكلها المزمنة والتي لما تجد لها حلا بعد.
لذا وجب التنبيه إلى ضرورة رسم خطة إستراتيجية من قبل الجهات المعنية للحد من التدهور البيئي الحاصل بالمناطق الشرقية والوسطى ومناطق الضفة والتي تتأثر إيجابا أو سلبا بكميات الأمطار التي تتساقط خلال موسم الأمطار، ولن يكون ذلك إلا بالحد من عمليات إتلاف الغطاء النباتي عبر الاستهداف الممنهج للغابات والأشجار، والتي تلعب دورا هاما في الدورة الهيدروجينية بواسطة التبخر، إضافة إلى تشجيع عمليات التشجير والتوعية على ضرورة الاهتمام بالوسط الحيوي والحفاظ على مكوناته، حتى تبقى في تناغم وانسجام.
كما يلزم أن تكون هناك هيئات مالية رسمية، مهمتها تقديم المساعدات اللازمة بما في ذلك القروض المالية الميسرة للمزارعين والمنمين لتثبيتهم في مواطنهم الأصلية ولمساعدتهم بالنهوض بهذين القطاعين اللذين يمثلان دورا أساسيا في الناتج المحلي، ويوفران فرصا عديدة لليد العاملة...
كما على الدولة أن تنشئ هيئة رسمية، مهمتها حصر وجمع الزكوات، وتقسيمها على مصارفها، وإجبار مانعيها على أدائها تطهيرا لنفوسهم وتزكية لها من أدران الشح والبخل، وتنمية لأموالهم، وسدا لخلة الفقير من خلال منحه حقه في مال الغني.