المتابع لأنشطة هذه الحملة الباهتة ولخطابات الرئيس المرتبك في عدد من ولايات الوطن سيجد نفسه محاصرا بعدد من الأسئلة التي تبحث ـ وبشكل ملح ـ عن أجوبة، ومن بين تلك الأسئلة التي ستحاصره:
(1) لقد تكرر في خطاب الرئيس المرتبك وفي كل الولايات بأن المعارضة هي المسؤولة عن هذا الواقع الصعب الذي تعيشه موريتانيا اليوم، وذلك بسبب سوء تسييرها في العهود الماضية. تكرار هذا القول جعلني أتساءل إن كان الذي حكم موريتانيا
فيما بين 12 ديسمبر 1984 إلى 3 أغسطس 2005 هو الرئيس أحمد داداه، وإن الذي كان يتولى قيادة الحرس الرئاسي في ذلك العهد هو العسكري السابق عبد الرحمن ولد ميني، وأن من حكم موريتانيا في الفترة ما بين 3أغسطس 2005 إلى 19 ابريل 2007 هو الرئيس محمد ولد مولود، وأن من حكمها فيما بين 19 ابريل 2007 إلى 6 أغسطس 2008 هو الرئيس جميل منصور، وهل الوزير الأول الحالي يحيى ولد حدمين هو الذي كان يقود المعارضة في الداخل في تلك العهود؟ وهل رئيس الجمعية الوطنية محمد ولد أبيليل هو الذي كان يقود المعارضة في الخارج؟ وهل كان الجنرال محمد ولد عبد العزيز هو قائد المحاولة الانقلابية الفاشلة (8 يونيو2003) التي هزت أركان نظام ولد الطايع؟ وهل الضابط السابق صالح ولد حننا هو الذي أفشل تلك المحاولة الانقلابية؟
إن تحميل الرئيس المرتبك أخطاء الأنظمة السابقة للمعارضة الموريتانية ليفرض علينا أن نبدل أسماء الرؤساء في العهود الماضية.
(2)
تحدث الرئيس المرتبك في كل الولايات التي زارها خلال محطات هذه الحملة الباهتة عن مشاكل حقيقية وعن تهميش واضح تعاني منه كل الولايات التي زارها، وقد وعد الرئيس في كل خطابته بحل تلك المشاكل والتي تتعلق في الأساس بالعطش وبتردي الخدمات الصحية والتعليمية. السؤال الذي نطرحه هنا هو : هل الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد اقترب من إكمال عقد من الزمن وهو على رأس السلطة أم أنه قد وصل إلى السلطة منذ أيام معدودات حتى يتقدم بمثل تلك الوعود لكل الولايات التي زارها خلال حملته الباهتة؟ ألم يكن الأولى به بعد عقد من تسيير شؤون البلاد أن يقدم انجازات ملموسة بدلا من الاكتفاء بتجديد وعود مل الناس من سماعها؟
(3)
لقد تم منح عطلة تمتد من 21 يوليو إلى 5 أغسطس للوزراء وللموظفين بمختلف رتبهم للمشاركة في حملة الاستفتاء. السؤال المطروح هنا يتعلق بمن سيدفع رواتب عمال الدولة خلال أسبوعي الحملة، فهل ستدفعه إدارة هذه الحملة الباهتة أم أن الدولة هي التي ستدفع تلك الرواتب والأجور وذلك على الرغم من أنها لم تحصل خلال أسبوعي الحملة على أي خدمة أو أي عمل مقابل ذلك. وبالمناسبة فمن هو مدير حملة الاستفتاء على الصعيد الوطني حتى نطالبه بدفع أجور ورواتب العمال لنصف شهر؟ هذه أول مرة نسمع فيها عن حملة انتخابية بلا منسق وطني.
(4)
بعض الوزراء تحدث خلال هذه الحملة الباهتة وفي أمكنة متفرقة عن الانجازات العظيمة التي تحققت في عهد الرئيس معاوية ولد الطايع، فهل السبب في ذلك يعود إلى أن أجواء الحملة الحالية قد ذكرتهم، وحتى في تفاصيلها الصغيرة، بأجواء الحملات في عهد ولد الطايع، حتى وإن كان ولد الطايع قد حافظ في حملاته الانتخابية على بقية من أخلاق كانت تمنعه من قمع منافسيه خلال فترة الحملة في الأمكنة العامة وفي مقرات الأحزاب، وكانت تمنعه أيضا من إرسال وزير عدله في الحملات، أم أن السبب في حضور اسم ولد الطايع على لسان عدد من الوزراء يعود إلى حنينهم إلى ذلك العهد بعد أن ابتلاهم الله من بعده بمن أعاد لهم عهد ولد الطايع بكل تفاصيله مع احتكار للفساد؟
(5)
في عاصمة ولاية الحوض الشرقي والتي دُشن فيها مصنع الألبان لعدة مرات ودون أن ينتج علبة لبن واحدة، في عاصمة هذه الولاية وعد الرئيس المرتبك بمصانع جديدة للأعلاف ولتقشير الأرز ..فهل يعني ذلك بأن الرئيس يستخف بعقول أهلنا في النعمة وأنه يستهزئ بهم؟ إن مما يؤكد ذلك هو أن الرئيس قد قال لهم وفي سخرية واضحة بأن التصويت ب"نعم"على الاستفتاء سيدر الضرع وسيزيد من أعداد البقر الأحمر.
(6)
تحدث الرئيس المرتبك خلال محطات حملته الباهتة عن مجلس الشيوخ والذي وصفه بأنه وكر للرشوة والفساد، وقال بأن إلغاءه سيرشد الموارد، ومع ذلك فقد تحدث الرئيس المرتبك عن زيادة أعضاء الجمعية الوطنية بعدد من النواب يقترب من عدد أعضاء مجلس الشيوخ، كما أنه كان ينسى في كل مرة أن يحدثنا عن المبالغ الضخمة التي ستكلفها المجالس الجهوية لخزينة الدولة. وفي حديثه عن مجلس الشيوخ ظل الرئيس المرتبك يكرر في كل محطات حملته الباهتة بأن الشعب الموريتاني قد عانى كثيرا من هذا المجلس، وهنا يحق لنا طرح الأسئلة التالية: هل مجلس الشيوخ هو الذي تسبب في هذا العطش الذي تعاني منه كل ولايات الوطن؟ وهل هذا المجلس هو الذي تسبب في انهيار التعليم وفي تدني نسبة النجاح في الباكالوريا؟ وهل المجلس هو المسؤول عن ارتفاع نسبة البطالة وعن تردي الخدمات الصحية وعن الانفلات الأمني الذي تعاني منه العاصمة نواكشوط وبقية المدن الموريتانية؟
إن الذي عانى من مجلس الشيوخ هو الرئيس المرتبك لا الشعب الموريتاني.
(7)
يمر الرئيس المرتبك بحالة نفسية صعبة ستزداد تفاقما كلما اقتربنا من منتصف العام 2019، وهو يعاني من حالة ارتباك شديد كنتُ قد تحدثت عنها في مقال سابق، ومن تجليات هذا الارتباك هو أن الرئيس المرتبك لا يستطيع أن يحسم أمر المأمورية الثالثة، فلا هو يستطيع القول بأنه لا يفكر فيها خوفا من أن تهجره موالاته، ولا هو يستطيع القول بصراحة بأنه يخطط لها خوفا من أن يتصاعد احتجاج المعارضة التي بدأت تقترب من كسر حاجز الخوف. بين هذا وذاك اضطر الرئيس المرتبك إلى أن يتحدث عن التمديد وعن المأمورية الثالثة بلغة غير قاطعة وغير حاسمة، ولكن يبدو أنه في الأيام الأخيرة قد أصبح أكثر ميلا للتصريح برغبته في التمديد وفي المأمورية الثالثة، ولقد أكد في مهرجان ازويرات بأنه يحتاج إلى :" عامين أو ثلاثة أو خمس سنوات، حتى ننقى دستورنا ونجعله يتماشى مع مجتمعنا". من هنا يحق لنا أن نتساءل عن أهمية تجريم الانقلابات التي يفتخر الرئيس المرتبك بأنه أضافها إلى الدستور الموريتاني؟ أَوَ لا يشكل تكرار التلويح بالمأمورية الثالثة منح الضوء الأخضر للقيام بانقلاب جديد؟
(8)
يتم الترويج لهذه التعديلات، وخاصة منها تلطيخ العلم الموريتاني باللون الأحمر، بأنها قد جاءت لتكريم المقاومة. هنا يحق لنا أن نتساءل لماذا غاب أي ذكر للمقاومة في كل أغاني حملة الاستفتاء، وهي الأغاني التي ركزت على تمجيد الرئيس المرتبك وعلى المأمورية الثالثة دون أي ذكر للمقاومة، ومن المعروف بأن أغاني الحملات الانتخابية تركز في الأساس على ما يُراد من تلك الحملات. وإذا كان الغرض من تلطيخ العلم الوطني باللون الأحمر هو تمجيد المقاومة فلماذا تم تحويل العطلة الأسبوعية من طرف هذا النظام من يوم الجمعة (عطلة المسلمين) إلى يوم الأحد (عطلة النصارى)؟ ولماذا يتم تخصيص أسبوع كامل من كل سنة للاحتفال بالفرانكفونية في هذه البلاد، ويتم استدعاء الوزراء لافتتاح ذلك الأسبوع، في حين يتم تخصيص يوم واحد للاحتفال بيوم اللغة العربية، ودون أي حضور رسمي كما حصل في هذا العام؟ ولماذا يتم تهميش أصحاب الشهادات باللغة العربية في الإدارة في الوقت الذي يرحب فيه، بل ويحتفى بأصحاب الشهادات الفرنسية؟ وبأي منطق يفتخر وزير في عهد تكريم المقاومة بأنه منتج فرنسي، أي أنه منتج استعماري؟ ولماذا تخلد دولة المقاومة مئوية الحرس الوطني الذي أسسه المستعمر؟ ولماذا أغلب الدعوات الرسمية تكتب في هذا العهد بلغة المستعمر، وحتى من دون ترجمة إلى اللغة العربية، كما حصل في الأيام الماضية مع الدعوات التي وجهتها الاتحادية الموريتانية لكرة القدم للحضور إلى مباريات الإياب بين المنتخب الوطني ومنتخب ليبيريا.
إن أي نظام حاكم لم يفعل المادة السادسة من الدستور الموريتاني لا يحق له بأي حال من الأحوال أن يتحدث عن المقاومة وعن تكريمها، فتكريم المقاومة يبدأ بتفعيل تلك المادة.
(9)
من الأمور اللافتة للانتباه هو أن قطاع الشرطة الذي تم تهميشه في هذا العهد، وتم سحب العديد من صلاحياته ومهامه لقطاعات أمنية أخرى، هو نفسه القطاع الذي يتم تكليفه بكل المهام القذرة المتعلقة بالتنكيل بقادة الأحزاب والاعتداء على المناضلين حتى داخل مقرات الأحزاب، وهو الشيء الذي لم يحصل في عهد ولد الطايع. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا يتضاعف حماس الشرطة عندما يتعلق الأمر بالتنكيل بقادة المعارضة ويغيب ذلك الحماس لديها ولدى كل القطاعات الأمنية عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع المجرمين؟
في اعتقادي بأن قطاع الشرطة لو أظهر هو وبقية القطاعات الأمنية الأخرى10% من الحماس الذي يظهروه عندما يتعلق الأمر بالتنكيل بالمعارضين السلميين، لو أظهروا 10% من ذلك الحماس خلال تعاملهم مع المجرمين لتوفر الأمن في العاصمة نواكشوط، والتي قال الرئيس المرتبك بأنه لم يعد بالإمكان تأمينها.