إذا جاء نصر الله .. والفتح

14. يوليو 2017 - 17:33

في مثل هذا اليوم قبل أحد عشر عاماً، جرى عدوان دامٍ استمر لأكثر من شهر و 4 أيام على لبنان شنّه العدو الصهيوني بتحالف علني مع (معتدلين) عرب (هكذا أسموا أنفسهم)، وغُزاة أوروبيين وأميركيين، واستمر العدوان لأكثر من شهر، ورغم فداحة الثمن في الأرواح والممتلكات في العاصمة (بيروت) وفي قرى ومدن الجنوب،

 إلا أن حزب الله والدولة اللبنانية المنحاز رئيسها – وقتها العماد إميل لحود - انتصروا، وباعتراف العدو الصهيوني ذاته، لقد كان صمود وبسالة (المقاومة الإسلامية – الجناح المسلّح لحزب الله) والالتفاف الشعبي الواسع حولها والمساندة القوية لإيران وسوريا وميشال عون (الرئيس الحالي) .. كل هؤلاء صنعوا الانتصار واستحقوه؛ ولكني أعتبر اليوم وبعد مرور أحد عشر عاماً على الانتصار أن أحد أبرز محقّقيه ومستحقّه هو هذا السيّد المقاوم، السيّد حسن نصر الله ودعونا نتحدّث عنه وعن دلالات انتصاره وانتصار دولته قليلاً. أولاً: تعود معرفة كاتب هذه السطور بالسيّد حسن نصر الله إلى صيف العام 1993 (كما سبق وأشرنا في مقالات سابقة) حين كنت في زيارة صحفية وأكاديمية لبيروت، وكان (السيّد) لا زال جديداً على موقع الأمين العام لحزب الله خلفاً للشهيد السيّد عباس الموسوي وكان ابن (البازورية) صغيراً في العمر، فهو من مواليد العام 1960 (31آب/ أغسطس)، كان لا يتجاوز الـ 32 عاماً، ورغم صغر سنّه قياساً بقادة الحركات والتنظيمات السياسية في بلادنا، ورغم قصر الفترة التي تولّى فيها الأمانة العامة للحزب وقتها (بضعة أشهر) فإن ما لفت ناظري إليه، كانت تلك الابتسامة الحيّة والنظرة الواثقة، المنتصرة، وذلك الذكاء والوعي لما يجري حوله؛ في لبنان والعالم؛ وتلك الرؤية الثاقبة للأحداث والقدرة على إدارتها والتحكّم فيها..

وسألت نفسي وقتها من أين يستمد هذا الرجل كل ذلك؟ ومرَّت الأيام وازدادت علاقتي توثّقاً بالرجل، ومع تناميها، بدأت تتّضح ملامح الصورة والإجابة، ومع انخراط حزب الله أكثر في الحياة السياسية اللبنانية بدءاً من أوائل التسعينات مع مجيء (السيّد)، في موازاة إطراد وتيرة عملياته الجهادية والنوعية ضد الاحتلال والجيش اللحدي العميل، إلى أن تحقّق النصر الأول في أيار /مايو من العام 2000 ثم النصر الإلهي الثاني والأهم في حرب تموز /يوليو 2006، بدأت تتكشّف، كل من عرف السيّد، مصادر تلك الطاقة المعنوية والسياسية والجهادية التي تُميّز أداء وروح وحياة السيّد حسن نصر الله.

لقد تأكّد لمحبّيه – ومن قبلهم أعداؤه – أن هذا الرجل امتلك فقهاً للنصر خاصاً به وبحزبه، وهو فقه احتلت الثقة في نصر الله  صدارة سُلّمه القِيَمي، مع صلابة التمسّك بالجهاد وسيلة وغاية، والوعي بالمتغيّرات الإقليمية والعالمية وتوظيفها لمصلحة خياره الاستراتيجى: خيار المقاومة.

بإمكاننا أن نزعم اليوم أن رحلة الجهاد والمقاومة (1982 – 2017) قد أكسبت السيّد حسن نصر الله، ذلك التفرّد في بلده، وخارجه، وكان هذا مصداقاً لقوله تعالى "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين"؛ فالسيّد الذي كان أحد أركان الجماعة الصغيرة التي أسّست حزب الله في أوائل الثمانينات، كان أيضاً قائداً ميدانياً للمقاومة طيلة الثمانينات، إلى أن تولّى موقع الأمين العام، فازدادت صلته بالمقاومة توثّقاً على المستويات كافة؛ الميدانية والسياسية، وقادها، ومعها أمّته ولبنانه، من انتصار إلى انتصار، وكان مثالاً يُحتذَى في حكمة القيادة وحصافة الزعامة.

ثانياً: دروس الانتصار والفتح: في ذكرى الحرب من الممكن التحدّث في العديد من القضايا لكن ما يهمّنا عربياً اليوم ونحن نقاوم عدواً إرهابياً بقيادة داعش وأخواتها، وعدواً صهيونياً بتحالف خليجي وأميركي، أن أول دروسها المستفادة أنها لم تكن حرباً من أجل جنديين أُسِرا للعدو الصهيوني، كما زعم العدو وكما روّجت الصحافة الأميركية وبعض الصحافة العربية، ولكنها كانت حرباً من أجل ولادة الشرق الأوسط الأميركي الجديد، ذلك الإقليم الذي تريده واشنطن من أجل نفطه ومن أجل إسرائيل، وهو من ثم لابدّ من أن يكون "شرق أوسط" من دون (مقاومة) ومن غير (عروبة)، ومن غير (إسلام)، إنه الإقليم المُلحق، أو التابع لاستراتيجيتها في المنطقة والعالم، ولقد كفتنا كونداليزا رايس مؤنة الحديث عنه وقتها ولكن المقاومة أجهضته في العام 2006 بانتصارها، واليوم يريدون إعادته ثانية من خلال صفقات ترامب الأخيرة مع السعودية (340 مليار دولار) وهي تساوي مجمل الديون الخارجية للدول العربية!

كل المهم لدينا هنا التأكيد على أن الهدف الرئيسي لهذه الحرب كان (رسالة للمنطقة) و(محاولة لإعادة تخليقها مجدّداً)،  وإسرائيل بالقطع كانت الأداة الأكثر دموية فيها، وواشنطن كانت المموّل، والمُحفّز، والشريك، إن لم تكن الفاعل الأصيل في العدوان: سياسياً وعسكرياً.

لقد أرادت واشنطن أن تهرب من إخفاقاتها المتتالية في أفغانستان والعراق وفلسطين،  بشأن شرق أوسطها الجديد، فأتت إلى لبنان، لتمر من خلاله إلى سوريا وإيران، ولم يكن موضوع الجنود الأسرى، سوى ذريعة لهذا المخطط، سرعان ما انكشف زيفها.

الدرس الثاني لهذه الحرب العدوانية، تمثّل في الحال الرسمي العربي تجاه قضايا الأمّة، وحقوقها، كان في أسوأ أوضاعه، كان منبطحاً إلى أقصى درجة. لقد أبرزت الحرب - أو بمعنى أدقّ عرّت وفضحت - حجم الوهن والتخاذل الرسمي العربي، وهو تخاذل، أراد أن يُداري سوآته بمزيد من القمع للتحرّكات الشعبية، وهو أيضاً تخاذل لايزال قائماً وإن بوسائل وأشكال مختلفة.

أما الدرس الثالث الذي كشفته الحرب فهو درس عسكرى بليغ، وهو أن حرب العصابات، أو حرب المقاومة الشعبية، التي تتسلّح بعقيدة قتالية وإيمانية صادقة، بإمكانها أن تهزم أقوى قوة عسكرية في المنطقة، لقد أثبتت خبرة الشهر والأربعة أيام، أن القتال النظامي بين إسرائيل والجيوش العربية لم يعد يجدي أو يحدث آثاره المؤلمة مثل (حرب المقاومة الشعبية) التي شنّها ونجح فيها حزب الله، سواء في تعامله مع البوارج البحرية، أو التفوّق الجوّي، وتمثّل كذلك في عدم القدرة على اختراقه استخباراتياً أو الالتحام البري في جبهة الجنوب، أو عبر استخدامه الرائع لسلاح الردع الجديد: سلاح الصواريخ قصيرة أو طويلة المدى (أطلق الحزب على قلب الكيان الصهيوني حوالى 4 آلاف صاروخ)؛ وهي خبرة من المهم جداً أن تستفيد منها جيوش المنطقة مستقبلاً مع الإرهاب والكيان الصهيوني!!

الدرس الرابع من الدروس الكبرى لهذه الحرب، وإن تعمّد الإعلام الخليجي والعربي المُتأسرل (نسبة إلى عشقه لإسرائيل) إخفائه، أنها دشنّت السيّد حسن نصر الله قائداً بارزاً للمقاومة العربية.

الدرس الخامس أبرزت هذه الحرب، أهمية (الإعلام) وخطورته في الحرب النفسية التي دارت بين الطرفين، فحزب الله الذي أذلّ - وبحق إسرائيل - تعامل منذ بدايتها، بشفافية وبوعي، وكان لإعلامه وبخاصة (تلفزيون المنار) دور مشهود، ولذلك تعمّدت إسرائيل ضربه وتدمير مبانيه عدّة مرات، ولكنها كانت تُفاجأ به ومعها العالم يخرج من بين الأنقاض ومن مكان آخر ليشارك في هذه الحرب الإعلامية – النفسية، وكان لإطلالات السيّد حسن نصرالله المؤثّرة دورها الفعّال في تلك الحرب!

أما الدرس السادس والأخير فهو قدرة المقاومة على إنهاء الفتنة المذهبية حيث تمكّن صمودها لأكثر من شهر فى إنهاء الفتنة التي أشعلتها فتوى الشيخ السعودي (ابن جبرين) ضدّ الحزب ومقاومته.

ختاماً نؤكّد أنه في الذكرى 11 للحرب، نؤكّد أن البوصلة الصحيحة للإسلام وللجهاد، هي بوصلة فلسطين، وأن المقاومة الحقّة هي مقاومة العدو الصهيوني وما عداها باطل، وعندما وعيَ حزب الله ذلك، فإن نصر الله كما فتحه قد تحقّق له، والله أعلم.

رفعت سيد أحمد- الميادين نت

تابعونا