
تعيش الساحة السياسية الوطنية منذ أيام على وقع جدل متصاعد، عقب مقال الوزير السابق السيد بيجل ولد هميد، الذي فتح من خلاله باباً واسعاً للتأويلات والقراءات السياسية، وسط ردود متبيانة من جمهور الموالاة، بدت في ظاهرها دفاعاً عن فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزولني، لكنها في العمق كشفت عن تلون موروث في الاصطفاف السياسي، وارتباك في وضوح الرؤية. ما يجعل هذا الحراك مقلقاً وخطيراً هو توقيته، إذ يأتي والرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لا يزال في سنته الأولى من مأموريته الثانية، وهي مرحلة يُفترض أن تشهد استقراراً سياسياً ودعماً مطلقاً لتنفيذ البرامج والإصلاحات التي وعد بها، لا وكأنه يعيش أيامه الأخيرة من مأموريته المتدة لسنوات. لقد أثبتت التجربة أن جزءاً كبيراً من النخبة السياسية في موريتانيا يتقن فن التلون والاصطفاف الموسمي، ولا يلتزم بأي خط ناظم سوى مصلحته الشخصية، وهؤلاء، ممن عرفوا بالنفاق السياسي لعقود. ما لا يدركه كثيرون هو أن هذا الحراك السابق لأوانه لا يمس فقط تماسك النظام، بل يتعداه إلى الأمن العام، إذ أن إشاعة أجواء الشك والتناحر داخل الطبقة السياسية قد تفتح المجال أمام الاحتقان الاجتماعي والتشكيك في شرعية الحكم، وهو أمر في غاية الخطورة، خصوصاً في منطقة تعيش على وقع اضطرابات أمنية متواصلة. أمام هذا الوضع، لم يعد مقبولاً التعامل مع الأزمة الحالية كأنها زوبعة في فنجان، بل يجب أن تكون جرس إنذار حقيقي لفخامة الرئيس وتكون دافعة له إلى: 1 إجراء مراجعة شاملة لخارطة حلفائه ومواقفهم. 2 تجديد الثقة فقط في من أثبتوا ولاءهم من خلال الفعل لا القول. 3 توجيه رسائل سياسية واضحة بأن السلطة لا تُنال بالتلميح والضغط الإعلامي، بل عبر المسار الديمقراطي والمؤسسي. 4 ضبط الساحة الإعلامية والسياسية، بما يضمن الاستقرار وحرية التعبير دون المساس بثوابت الدولة. إن ما يحدث اليوم ليس مجرد "ردة فعل" على مقال، بل هو حراك خطير وعميق يتطلب جرأة في القرار، وحسمًا في المواقف، وقوة في المواجهة، لأن بعض الساسة المتمصلحين لن يترددوا في التضحية وفي التواني عن تنفيذ برنامج الرئيس الإنتخابي الطموح، من أجل حصولهم على حظوة ومكانة في قادم الأيام، فهل قد حان الوقت لقراءة المشهد كما هو، لا كما يُراد له أن يكون؟.