
تمر الحكومة اليوم بمرحلة حساسة ودقيقة تتسم بتحديات جسيمة تعرقل تحقيق إصلاحات ملموسة وفعالة ، بالرغم مما كان يؤمل منها من إنجازات نوعية في الـ 100 يوم الأولى بعد تشكيلها.
ويرى مراقبون أن أبرز عوائق الحكومة الحالية تتجلى في فشل القطاعات الخدمية، خاصة ما يتعلق بالنفاذ إلى الخدمات الأساسية.
ورغم النجاحات التي حققتها الحكومة السابقة بقيادة الوزير الأول السابق محمد بلال مسعود ، حيث عمل قطاع المياه آنذاك على حلحلة العديد من الأزمات بشهادة نخب محلية واسعة في العديد من المناطق الداخلية، وعلى رأسها ولايات الحوضين ولعصابة، فإن الحكومة الحالية لا تزال تواجه صعوبات كبيرة في هذا المجال، وهو ما تُرجِم إلى عرائض شعبية واسعة تعبر عن خيبة الأمل من أداء المسؤولين الجدد.
وفي ذات السياق، يعاني قطاع الكهرباء من نقص حاد في الخدمة، رغم جهود الإدارة الحالية للتغلب على التركة الثقيلة التي ورثتها من الإدارات السابقة، إلا أن النتيجة لا تزال دون تطلعات السكان.
اقتصاديًا، تعجز الحكومة حتى الآن عن فرض سياسة فعالة لتثبيت الأسعار الأساسية، وخاصة أسعار اللحوم الحمراء، والتي تُعد ثروة وطنية متجددة، حيث يطالب المواطنون، وبالأخص الفئات الضعيفة، بتدخل عاجل لضبط الأسعار وجعلها في متناول الجميع.
أما على المستوى السياسي، فالوضع لا يقل تعقيدًا، فرغم روح التهدئة والانفتاح الذي يبديه رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، لا تزال هناك فجوة واضحة بين الحكومة وبعض أمراء السياسة، مما أثر سلبًا على فرص التوصل إلى توافقات وطنية كبرى،
وفي مقابل تهدئة الرئيس، أصبحت الحكومة اليوم تظلها ضبابية الصراعات الدخلية، بدلا من التباهي بالإنجازات والسعي في تطبيق برنامج رئيس الجمهورية والسياسات العامة للحكومة، وهو مالم تشهده حكومة ولد بلال السابقة، فقد كانت حكومة جدية جسدت الإنجازات على أرض الواقع وخاصة الفترة التي سبقت الحملة الرئاسية، وذلك أنها عرفت نقلة نوعية في تقديم الخدمات، وخاصة قطاع المياه الذي حقق بعض الانجازات علي الارض وكان مؤملا منه الكثير قبل التغيير الوزاري الأخير الذي ردنا إلي المربع الأول وهو ما أرسلت به القوي المنتخبة في أدغال الحوض الشرقي والغربي ولعصابة لبعثات الحكومة الأخيرة.
لقد فشلت مبادرات قادتها قيادات الحكومة الحالية في استقطاب رموز معارضة وإقناعها بالدخول في مسار موحد يعزز الحكامة السياسية الجامعة، فبدلاً من احتواء خطابها شبه الردكالي وانخراطها في السعي في مصلحة البلد، ظهرت جماعات محسوبة علي بعضها تتبنى خطابا متشنجا وفئويا يدعو إلى العنف وتهديد الاستقرار والسكينة ويدوس علي القانون وهيبة الدولة ورموز البلد ، وهو ما استدعى المؤسسات القضائية والامنية بالقيام بواجبها الدستوري والقانوني من اجل الحفاظ علي الثوابت الوطنية والمحافظة علي الامن والسكينة
وعلي صعيد اخر فإن الأمر الأخطر من كل ذلك، أن بعض رموز الحكومة يضيعون مبادئ الحكامة الرشيدة التي تعهّد بها الرئيس، عبر توظيف منتسبي تياراتهم في المناصب الحساسة، متغاضين عن فسادهم حتى أفلسوا مؤسساتٍ حيوية بلا رقيبٍ ولا حسيبٍ. وما يزيد الطين بلة، أن الحكومة تعمل في الخفاء على تصفية الكفاءات المخلصة والموالين للرئيس، لمجرد عدم انتمائهم إلى التيار المحسوب عليها
وأمام هذا الوضع وتصاعد الصراع داخل الحكومة وعدم تحقيق سياساتها، تبقى موريتانيا أمام مفترق طرق حاسم، يتطلب قرارات شجاعة وإصلاحات جذرية، تبدأ من أعلى الحكومة مرورا بالقطاعات الخدمية وصولا إلى تنفبذ السياسية المبرمجة، ضمانا لاستقرار البلاد واستجابة فعلية لتطلعات مواطنيها .
وخلاصة لماسبق فقد أدى فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني واجبه في الحفاظ على الأمن وتعزيز العلاقات الخارجية بما يشهد له به الجميع، غير أن استكمال هذه المهمة الوطنية يتطلب، في نظر العديد من المحللين الوطنيين، تشكيل حكومة كفاءات حقيقية تنصرف إلى خدمة المواطن والانشغال بالميدان، بدلاً من الاكتفاء بالخطابات الرنانة والتزلف السياسي.
يتواصل .