إنه لمن دواعي الشرف وبتأثر بالغ يسعدني أن أتقدم، في هذه اللحظات المهيبة، باسم زملائي رؤساء الدول الأفريقية، وأصالة عن نفسي، بخالص الشكر لصديقي وأخي فخامة السيد باسيرو ديوماي دياخار فاي، رئيس جمهورية السنغال، على إشراكنا في إحياء الذكرى الثمانين لمجزرة "ثياروي" التي راح ضحيتها رماة سنغاليون، إنها واحدة من أحلك صفحات تاريخنا المشترك وأكثرها إيلاماً.
فنحن هنا اليوم لتخليد ذكرى رماة ثياروي الذين كتبوا بشجاعتهم ودمائهم صفحة رائعة في تاريخ كفاحنا المشترك من أجل الحرية والعدالة والكرامة.
لقد عبروا القارات للدفاع عن قضية لم تكن قضيتهم، لكنهم آمنوا بها في أراضٍ لم تكن مألوفة بالنسبة لهم، وفي ظروف مناخية صعبة، لكن هذا لم يقلل، بأي حال من الأحوال، من عزيمتهم أو حماستهم للقتال، فقد واجهوا الموت في ساحة المعركة وخرجوا منها منتصرين، وساهموا في انتصار الحلفاء.
لكن عندما عادوا إلى دفء وطنهم فخورين بانتصارهم ومستعدين لمعانقة الحياة أدركهم الموت من خلال الغدر في ذلك اليوم المأساوي في الأول من ديسمبر 1944، هنا في هذه الثكنة، حيث لا تزال أصداء الظلم الصارخ والجحود والنكران يتردد فيها إلى الأبد.
نجتمع هنا اليوم بروح من الاحترام والعرفان والذكرى والامتنان، لنؤكد أن الدماء التي أراقوها على هذه الأرض لم تذهب هباءً ولن تُنسى أبدًا، ستبقى تضحياتهم محفورة في ذاكرتنا وفي الوعي الجماعي لشعوبنا.. يجب أن تذكرنا ملحمتهم دائمًا بأنه مهما اشتدت النزاعات، ومهما كان الظلم عميقًا، فإن الحق والقانون ينتصران دائمًا بلا هوادة.
وبهذه المناسبة، أود أن أشيد إشادة خاصة بالشعب السنغالي وحكومته على الجهود التي بذلوها، بكل كرامة واقتدار، للمساهمة في استعادة الحقيقة والحفاظ على ذكرى هؤلاء المناضلين الأبطال.
كما أود أيضا أن أضم صوتي إلى أخي وصديقي، السيد باسيرو ديوماي دياخار فاي، في الترحيب بما وصفه بـ"الخطوة العظيمة"، المتمثلة في مبادرة رئيس الجمهورية الفرنسية الحالي السيد إيمانويل ماكرون، بالاعتراف بالمجزرة التي ارتكبتها القوات الفرنسية في ديسمبر 1944 في معسكر ثياروي.
أصحاب الفخامة،
السيدات والسادة،
ترمز مذبحة ثياروي إلى عنف الحرمان من الحقوق الأساسية التي عانى منها الأفارقة بعنف نتيجة تجارة الرقيق وأشكال الاستعمار العلنية والمقيته.
ولكن، وهذا هو الأهم، ترمز هذه المذبحة أيضًا، في الوقت نفسه، إلى تصميم الأفارقة الراسخ، على النضال من أجل كرامتهم وحقوقهم وتحرير أنفسهم نهائيًا من جميع أشكال الهيمنة في مواجهة تصميم القوى الاستعمارية على الحفاظ على سلطتها وتوطيدها.
كانت هذه الروح المطالبة والتطلع إلى الحرية والكرامة، روح ثياروي التي خلدتها كاميرا سيمبين عثمان هي التي استرشد بها آباء الاستقلال ومؤسسو الاتحاد الأفريقي في رغبتهم في توحيد القارة الأفريقية وضمان تنميتها المتكاملة ودورها ومكانها الصحيح في محافل الأمم.
وما الجهود المتواصلة التي يبذلها الاتحاد الأفريقي ودوله الأعضاء لتحقيق هذا الهدف إلا ترنيمة ونشيدا يوميا لرجال الثياروي، وليس هناك أروع من الاحتفاء بروح ثياروي من أن نرص صفوفنا ونعزز جهودنا لتحقيق أهداف أجندتنا 2063 التي تعكس تطلعات الشعوب الأفريقية.
ولا يسعني أن أختم دون أن أقتبس من الباحث والشاعر السنغالي الشهير السيد بابكر امباي، وهو نفسه حفيد أحد أبناء ثياروي الذين سقطوا في ساحة المعركة، الذي كتب في مجموعته الشعرية المعنونة "نشيد ثياروي 44":
((استقبلوا نشيد وطنكم أفريقيا،
أيها الرماة الذين ماتوا من أجل الجمهورية!
موتى من أجل فرنسا! موتى من أجل فرنسا!
رماة البنادق السوداء للإمبراطورية
رماة أتوا من بعيد
بنادق من أفريقيا
جنود الإمبراطورية السود
دموعنا تذرف في ميدان الشرف هذا
نرافقكم في رحلتكم الأبدية.
فلتتحدث أرواحكم إلى هذه الأسلحة)).
وأشكركم".