تعرضت منى (اسم مستعار) للاغتصاب قبل عامين ونصف العام، عندما كانت في السادسة عشر من عمرها، وكان المغتصب صديق أخيها الذي اعتاد قضاء معظم وقته في منزل الضحية.
تروي منى ما حصل معها وصولا إلى تلك الليلة المشؤومة، قائلة إنه ”كثيرا ما كان يمازحها ويلاطفها ويسألها عن الدراسة وعن صديقاتها“.
وتضيف: ”زارنا في إحدى المرات بغياب أخي، وفيما كانت أمي نائمة، طلب مني أن أجلب له حاسوبه.. بادر بعدها بتقبيلي على وجهي، فصفعته، وقال سأتزوجك لأنك جميلة“.
وتتابع: ”بعد ذلك دفعني بقوة على الأرض وأغلق فمي بيده.. فعل فعلته ثم طلب مني أن أتحمل لبعض الوقت، لأننا سنصبح زوجين عما قريب“.
بسبب الآثار على جسدها وتغير تصرفاتها، أخبرت منى والدتها بما حدث فاصطحبتها إلى الشرطة وسجلت شكوى بحق الجاني، ولكن بعد ضغط عائلته والزيارات المتكررة قرروا أن الزواج هو الحل الأفضل ”للحفاظ على علاقة الأسرتين“.
وبالفعل، سحبت الأم الشكوى وزوّجت ابنتها القاصر من مغتصبها.
يوثق هذا التحقيق كيف تقع مئات الفتيات في موريتانيا وأغلبهن من القاصرات، ضحايا لجرائم اغتصاب، في غياب أي حماية اجتماعية أو قانونية، حيث تعاني المغتصبات نفسيا ويُزوجن من مغتصبيهن بإجبار من العائلة، وبالإغراء المادي لأهاليهن.
ويأتي ذلك في ظل خوف أهل المغتصبة من العار والوصم الاجتماعي، وفي ظل خشية الضحايا من حجز حريتهن بتهمة الزنا بسبب ثغرات في القانون الجنائي الموريتاني، الذي لا يوفر إمكانية فحص DNA لإثبات الجريمة على المغتصب.
”عذاب“ ما بعد الزواج
عاشت منى في منزل حمواها تتلقى اللوم باعتبارها زانية، وبأنها أوقعت بابنهم من أجل الزواج به، فاعتزلتهم بغرفتها وكانت قد حملت من واقعة الاغتصاب.
حاولت الحصول على الطلاق، لكن الزوج المغتصب رفض وقال إنه لن يطلّقها بسبب الشكوى.
تنقل منى على لسان زوجها المغتصب، قوله: ”حصلت عليها بالمجان، في حين سيستغرقني جمع تكاليف الزواج بالطريقة السليمة أكثر من عامين“.
تقدر تكاليف الزواج في عائلة منى بـ150 ألف أوقية جديدة، (3400 دولار أمريكي) فيما تزيد أو تقل هذه التكاليف حسب كل عائلة.
وضعت منى مولودتها، لتتمكن بعدها فقط من زيارة والدتها، ثم لاحقا حصلت على الطلاق.
تقول منى: ”ذكريات الاغتصاب لم تفارق مخيلتي حتى اليوم.. كرهت بسبب ذلك كل الرجال“.
تسويات ودية
ووفقا لرابطة النساء معيلات الأسر (منظمة غير حكومية)، تم خلال العام 2021، تسجيل 753 حالة اغتصاب في موريتانيا، بينهن 412 قاصرا. كما سجلت المنظمة 894 حالة عنف أسري، بينها 152 ضد قاصرات.
وتمت التسوية الودية في 510 من الحالات المسجلة، وتم تطليق 179 حالة، وبقيت 205 منظورة أمام المحاكم من أصل 2693 حالة لجأت للمنظمة طلبا للمساعدة.
تقول الاختصاصية الاجتماعية خدي منت لحريطاني، التي تعمل مع ”رابطة النساء معيلات الأسر“، إن ”الضغط على أهالي الضحايا لسحب الشكاوى والتسوية الودية يتم بمبادرة من أهالي المعتدين“.
وتضيف لحريطاني في حديث لـ“إرم نيوز“: ”يطلبون طي ملف القضية مقابل الزواج، وسحب الشكاية مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 20 ألف أوقية جديدة (500 دولار أمريكي) إلى 90 ألف أوقية جديدة (2300 دولار أمريكي)“.
من جانبها، تقول ميمونة بنت حمادي، وهي مرشدة اجتماعية في الرابطة نفسها: ”شخصيا أصبحت قلقة على صحتي النفسية بسبب مشاكل المرأة في موريتانيا مع الاغتصاب وتزويج المغتصبات؛ لأن في الأمر جريمتان في حق ضحية واحدة“.
وتضيف بنت حمادي لـ“إرم نيوز“: ”نستقبل من خلال مكاتبنا داخل مراكز الشرطة الوطنية من 4 إلى 6 حالات اغتصاب بحق قاصرات يوميا، وكأن الأنثى في موريتانيا ليست إنسانا بحاجة للحقوق الأساسية والحياة الطبيعية“.
ظاهرة مقلقة
تسعى ”الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل“ بدورها، للحد من انتشار ظاهرة الاغتصاب عن طريق توفير الدعم النفسي والقانوني للحالات التي تصلها من خلال مكاتب الجمعية.
وبحسب بيانات حصلنا عليها في ”إرم نيوز“، تصل إلى الجمعية حالة اغتصاب أو اثنتان يوميا، إذ لاحقت الجمعية 336 حالة اغتصاب خلال العام 2021، و126 حالة اغتصاب خلال النصف الأول من هذا العام.
وسجلت المنظمة ما بين 70 – 80% حالة سحب شكاوى من مجموع حالات الاعتداء الجنسي خلال السنوات الماضية.
سهام منت حمادي منسقة عمل الخط الأخضر بالجمعية، تقول عن مشكلة تزويج المغتصبات من مغتصبيهن: ”للأسف تنتشر هذه الظاهرة في المجتمع الموريتاني؛ لأن المجتمع تقليدي والأسر لاتزال تتكتم على الاغتصاب، خاصة حين يحدث في نطاق عائلة واحدة، خوفا على المغتصبة من الفضيحة والعار والنبذ“.
وعن الأضرار النفسية التي تصيب الفتاة، توضح منت حمادي: ”ينجم ذلك بسبب إجبارها على السكن مع من اعتدى عليها، خاصة أنها لم تعد تتقبل رؤيته“.
وأكدت أن ”هذا الزواج لا محالة مآله الفشل؛ لأنه تم فقط لإسقاط العقوبة عن المغتصب وبالتالي لن يستمر“.
من تحقيق لوكالة ارم
المصدر: محمد المامي - إرم نيوز