بعد توالي سنين التسريب الالكتروني والتطبيع مع ثقافة الغش وغياب المحاسبة في تدبير الموارد الاقتصادية والاجتماعية ، يتوجه على عموم ترابنا الوطني اليوم ما يقارب 50000 مترشحا للشهادة العامة حاملين بين جوانحهم البريئة رهاب الخوف وسيطرة القلق وصور الفشل المسيطرة على خيال المترشحين في ظل الانحسار المستمر لنسب الناجحين بالثانوية العامة التي لم تتجاوز في أحسن الحالات 08% خلال العشرية الماضية، وهو ما أضاف إلى ضعف التكوين والوهن البيداغوجي العام ، الخاضعين لتأثيره السلبي،عدم الثقة في الذات لدى التلاميذ أثناء اجتياز امتحان مرحلة مميزة من السلم التعليمي، مرحلة عبورية بين المراحل الأولى و المراحل الموالية سواء كانت جامعية أو معاهد أو الحياة ذاتها.
تتهاون الدولة كثيرا مع شهادة تتخذ نتائجها مقياسا للمفاضلة بين التلاميذ ويتوقف عليها مصيرهم واحترام المحيطين و اهتمامهم، والاحتفالات بالنجاح فيها تتخذ طابعا يكون بفخامة حفلات الأفراح الاجتماعية الكبرى وشرف النجاح فيها ربما يفوق في الذهن الحصول على شهادات الليسانس والماستر وحتى الدكتوراه.
هنا يتحتم على الدولة بمختلف هيئاتها التخلي عن المكابرة ولغة الخشب وإدراك حجم الخسارة الفادحة التي يخلفها رسوب أكثر من 90٪ في شهادة مصيرية فهو أخطر مؤشرات فقدان المناعة في جسد تعليمنا ومواصلة طريقه نحو عدم الكفاءة والعجز عن تحقيق أهدافه، وتحول شهادة مدرسية تمنح صاحبها دخول الحياة العامة من بابها الواسع الى محطة مفتوحة للتسرب الجماعي الدائم والفشل واحتقار الذات والشعور بالدونية وازدراء المجتمع والمحيط.. وتوفر كل شروط الجنوح وسلوك مسارات الجريمة وتعاطي الممنوع، إلى جانب زيادة النفقات التعليمية، لما يكلفه التلميذ الراسب بهذه الاعداد الكبيرة لميزانيات الدولة العامة.
المبادرة التعليمية المنتظرة يجب ان تبدأ بوقف تكرار فشلنا في تدبير الباكالوريا وحركة سيزيف التي تبدأ باستنفار هام مجلجل تنقل صخرته كل سنة بتسيير بعثات تجوب البلاد توزع مواد امتحان عرضة للتسريب والتندر، ليبدأ تصحيح مرهق تجند له اعداد كبيرة من الاستاذة المصححين تنتهي أيامه الرمادية بإعلان فشل يزيد على 90 % … فأين برنامج التحول الوطني ؟ وأين الورشات الكثيرة والملتقيات المنظمة لرصد التحديات التي تواجه التعليم، وبناء الأهداف العامة للتعليم، ومؤشرات قياس الأداء، وكذلك بناء المبادرة التعليمية والتربوية المحققة لبرنامج التحول الوطني على النحو الذي يتكرر على مسامعنا في الاعلام الرسمي والناطقين الرسميين في كل مناسبة وأحيانا دون مناسبة ؟
نرجو لابنائنا التوفيق في شهادتهم العامة ونتوسل القائمين على قطاع التعليم أن يوقفوا مسارا يتكرر فشله حتى يغيروا الظروف التي أدت إلى هذا الفشل المريع أو تغيير المستطاع منها على الأقل، وهو كثير .