إنصاف الإنصاف ودفع الخلاف..في مسائل الحيف الواقع على الطبقات المغبونة

25. ديسمبر 2021 - 9:24

إن نقطة الارتكاز في بناء الدول، قوامها بسط العدل ورد المظالم، وإعطاء كل ذي حق حقه، وتلك جوامع الإنصاف لكل أفراد المجتمع، ولا تستقيم حال كيان يطمح إلى تحقيق أساس العمران بدونها، وكان ينبغي أن تكون من المتفق عليه لدى أهل الرأي ونخب الفكر، وقد يحصل الخلاف في التأويل بسبب تمثلات معاني الألفاظ في واقع الناس، أو مرد بعض الأمر إلى عدم فهم السياقات أو الاجتزاء المنسحب على أغلب الاقتباسات أو التعليقات المتوجهة نحو المفهوم، بعد فصله عن المنطوق، وتحميل الكلام ما لا يحتمل عقلا ومنطقا.

وفي ما يظهر من مسوغات لنشوء التباين في التقدير، أن وجود المظالم ذات الطابع الاجتماعي ليس خفيا بحيث يختلط على أصحاب الحقوق جلاءه من عدمه، وإنما ثمة تمايز تأويل يلقي بظلاله القاتمة، ويحول دون حصول إجماع بشأن إنصاف الطبقات المغبونة، والعمل على إرساء دولة المواطنة الحقة، وتقوية بنيان الوطن وتحصينه بقوة العدل، ونصب ميزان الحكامة الرشيدة، وعقلنة استخدام الموارد واستغلالها للتشييد وإحراز النماء المنشود، ونبذ كل أسباب ومظاهر الإفساد، ومقارعة أهل الفساد، وتطبيق مبادئ.. المكافأة لمن أحسن، والعقوبة في حق من أساء، دون محاباة أو مجافاة أو تحامل..

ثم إنه من الأهمية بمكان، القول بوقوع أنواع متعددة من الغبن، لا تقتصر على طبقات بعينها مع وجودها، بقدر ما تمتد آثارها لفئات أخرى تجتمع معها في العوز والحرمان، باعتباره نتاجا لقلة الحظوظ في التعليم، أو لأسباب اقتصادية متعددة؛ لعل أولها انعدام الدخل المادي الذي يحقق حد الكفاية، ويوفر العيش الكريم للفرد والأسرة..

كل ما سبق معين على بلورة فهم صحيح للإنصاف المطلوب، ويقرب الفجوة بين الفرقاء من أبناء الوطن الواحد، كما يحاول رفع الإشكال الحاصل عقب مناقشة قضايا الغبن والتهميش والإقصاء، سواء أكانت قضايا فكرية أم أنها إشكالات مجتمعية تعود لزمن غابر له سياقاته التاريخية وإكراهاته السسيولوجية، وقد آن الأوان لاستحضار مقوماتنا الحضارية القائمة على العدل والمساواة والأخوة الجامعة لتقوي أواصر التلاحم والتعاضد.

ثم إن كل جهد يبذل في سبيل تجسيد الإنصاف المجتمعي على أرض الواقع، هو عمل محمود وسعي مشكور، بشرط مراعاة أسباب الخلاف وتحديد المفاهيم، وتحييد الصورية في البحث عن الحلول، والإنطلاق من حسن النية المقرون بالعزم على التنفيذ، وفق عقد جامع لا يقصي أحدا، ولا يدخر قدرة على الفعل، ويحافظ على سفينة الوطن من أي خرق.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

إنصاف الإنصاف..ودفع الخلاف..في مسائل الحيف الواقع على الطبقات المغبونة / د.رقية أحمد منيه

تابعونا