البيان رقم 2
كما توقعت لم يكن "الاجتماع الأول" للمعارضة الديمقراطية، سوى مفتتح لسلسلة اجتماعات تصدر عنها بيانات ترسخ لدى الرأي العام أننا ذاهبون إلى "حوار" تأمل المعارضة أن تحقق فيه ما عجزت عن تحقيقه في المناسبات الانتخابية. أصدر التكتل بيانا يوم الخامس من نوفمبر، إثر اجتماع مكتبه التنفيذي فاتح الشهر، في غياب رئيسه. استعرض المكتب "أنشطة الحزب خلال الفترة الأخيرة..." على طريقة ولد صلاحي "باص"، لينتقل إلى تحضير المؤتمر المؤجل منذ عقود.
أدرج الحزب في جدول أعماله "الحوار الوطني" وكأن الأمر مسلم! وهي مناورة تواطأت عليها أحزاب المعارضة لوضع الأغلبية والرأي العام الوطني أمام أمر واقع اسمه "الحوار الوطني" مع شحنة المصطلح السياسية التي لا يدركها الناس عموما، لكن السياسيين يستخدمونها لابتزاز الأغلبية سعيا إلى مكاسب حزبية. ألح البيان على مفردة "الحوار" فاستخدمها خمس مرات، لكنه يدعو "السلطات العمومية" إلى "التشاور مع المتظاهرين..."!!! الحوار مع معارضة خرجت مهزومة من آخر انتخابات، والتشاور مع المتظاهرين. فأي منطق هذا؟! ولا يستح البيان من أن يطلق على مروجي الإساءات، المهددين للسلم الاجتماعي "أصحاب الرأي"! فأي رأي في كلمة بذيئة، وأنتم الحساسون من الكناية والتلميح! وأي رأي في بث قبيح وأنتم "المتضامنون" ضد جملة بين قوسين!!
يطالب البيان الحكومة بتدخل عاجل... صح النوم! منذ بداية الجائحة وخطط التدخل العاجل تترى دون أن يكون لكم دور، ولو في التحسيس. تسارع تنفيذ البرنامج الاستعجالي فوصلت المساعدات مستحقيها في كل مكان من الوطن.
ثم يطالب الحزب "بتوسيع دائرة التحقيق في الفساد المستشري... منذ عقود،..." تحتاج الجملة إعادة صياغة لما فيها من خطر على كوادر حزبية رفيعة. أما "تدوير المفسدين" فهو ماركة تكتلية مسجلة؛ فقد كان سباقا إلى تدوير نازحي الحزب الجمهوري.
لعل أسوأ ما في البيان خاتمته: "... يفضي إلى التغيير الديمقراطي الذي طالما انتظره الشعب الموريتاني."!!! كان إحساسنا في الأغلبية أن وراء الأكمة ما وراءها إحساسا صادقا! فما هو "التغيير الديمقراطي الذي طالما انتظره الشعب الموريتاني"، وسيسفر عنه الحوار؟! لا يدرك التكتل أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لم يأت بانقلاب، ولو جاء به لكنتم أول الداعمين، وأن حكومة محمد ولد بلال ليست حكومة انتقالية، وأن جولات حوار داكار انتهت. إذن هذا هو الهدف الخفي للحوار: "التغيير..." لذلك ترفضه الأغلبية لأن التغيير الديمقراطي يأتي عن طريق صناديق الاقتراع، وليس في الغرف المظلمة، فذاك تآمر. يتحدث البيان وكأننا لسنا في نظام ديمقراطي (لم يعترف التكتل حتى اليوم بنتائج الانتخابات الرئاسية، ويطلق على فخامة رئيس الجمهورية "رئيس الدولة"!)، ويريد أن يفضي الحوار إلى التغيير الديمقراطي الذي طالما انتظره الشعب الموريتاني في إيحاء إلى أن أنظمتنا منذ العاشر.. أنظمة استثنائية!
لا تكتفي المعارضة بمحاولة فرض حوارها، وقد هبت للمشاركة في الجلسة الأولى للتشاور، وإنما تحاول عن طريق أذرعها المزروعة فينا، وعلى تخومنا، إقحام رئيس الجمهورية، وليس رئيس الدولة، في نقاش يسمو عليه في شخصه، وبحكم مكانته؛ فهو رئيس لكل الموريتانيين، لا ينتمي للأحزاب، ولا يرعى تشاورها. حاول ذلك بائع زهرة ست الحسن، في قالب وشاية أصبحت طبعا لطول المراس والعناية بالدربة، ومن نفس المشكاة خرج "منصورنا" وجميلهم وهو "يحذر من الطابور الثالث"، مسقطا طابورين واحد عندنا والثاني متربص. يعلن جميل.. "إنهم لا يريدون للحوار أو التشاور أن ينجح..." وبذلك يسوي بين البيع والربا، وقد أحل الله البيع وحرم الربا. لا يحب جميل الوضوح، والحسم في المواقف، لذلك يصم أهله ب"أصحاب المواقف الحدية". لا يلام السيد جميل على ذلك، فلم يتخذ في حياته السياسية قرارا حاسما، ولم يكن حديا في موقف سوى ذلك الذي ظهر فيه تائبا توبة نصوحا.
تتنافس أحزاب المعارضة في البيانات (أصدر تواصل بيانا) لاختطاف التشاور، وفرض الحوار بما تضمنه من شروط لا تخدم المصلحة الوطنية وإنما تحقق مكاسب لحزبيين على أبواب التقاعد بعد عقود من "النضال" في صفوف معارضة يئست من أن تكون أغلبية بصناديق الاقتراع فأصبح همها الوحيد المشاركة في السلطة عن طريق الابتزاز. فلم تدع معارضتنا يوما إلى حل البرلمان، أو انتخابات سابقة لأوانها، وإنما تدعو دائما إلى إشراكها في التسيير "رغم فسادنا!"، وإلى دخول حكومتنا "رغم فشلها" زعموا! أليست هذه مفارقة تدعو إلى "التشاور" حول أنجع الطرق لإقناع المعارضة بأنها معارضة!!
بدل "اللعب" على أرضهم، وأمام "جمهورهم" "يتضامن" المعارضون، والقطاع السياسي غير المصنف ضد كل من يحاول ضبط حالات التسلل، و"اللعب الخشن" ليحظوا ب"ركلة" في الوقت بدل الضائع من الأعمار...