عندما تسأل أي متابع للشأن العام عن أفضل وزير مرَّ بالتعليم خلال العقدين الأخيرين فسيكون الجواب في أغلب الحالات : الوزيرة نبغوها منت محمد فال، وعندما تطلب منه بعد ذلك أن يقترح لك شخصا مناسبا لوزارة التعليم، فسيكون جوابه في أغلب الحالات: نبغوها منت محمد فال.
اللافت في الأمر أن الفترة القصيرة التي قضتها نبغوها منت محمد فال وزيرة للتعليم شهدت الكثير من إضرابات الأساتذة والمعلمين والطلاب، وربما تكون فترتها في الوزارة هي الفترة الأكثر إضرابات بالقياس إلى المدة القصيرة التي قضتها وزيرة للتعليم. لقد واجهت الوزيرة نبغوها منت محمد فال في فترتها القصيرة في الوزارة الكثير من إضرابات الأساتذة والمعلمين والطلاب، فواجهت من الإضرابات ما لم يواجهه العديد من الوزراء الذين مروا بالوزارة، والذين يتفق الجميع على أن أداءهم كان سيئا.
فما السبب ياترى؟
هل السبب يعود إلى محاولة الإصلاح التي كانت تسعى إليها الوزيرة أم يعود إلى أمور أخرى؟
إليكم بعض النماذج السريعة من أخبار الإضرابات في عهد الوزيرة نبغوها، وقد أخذتُ هذه الأخبار من بعض المواقع العربية والدولية:
"إضراب للمعلمين بموريتانيا للمطالبة بتحسين أوضاعهم" هذا عنوان خبر بالجزيرة نت بتاريخ : 07 فبراير 2008.
"من جهة ثانية يواصل طلاب التعليم الإعدادي والثانوي منذ نحو أسبوعين مظاهرات واحتجاجات عارمة تنديدا بقرار اتخذته وزيرة التعليم (الجزيرة نت) نفس التاريخ السابق.
"أساتذة مضربون في موريتانيا يعتبرون البدء في امتحانات آخر السنة مهزلة" هذا عنوان خبر منشور في القدس العربي بتاريخ :10 يونيو 2008.
أذكر أني كنتُ من الذين ناصروا تلك الإضرابات ببعض المقالات، ولكني أشعر اليوم بأني ربما أكون قد أخطأتُ في حق الوزيرة، وأظن أن هذا الشعور يتقاسمه معي بعض الذين شاركوا ميدانيا في تلك الإضرابات.
لنطرح السؤال : لماذا كثُرت الإضرابات في عهد وزيرة ترفع شعار الإصلاح، ومن يتحمل المسؤولية في حدوث ذلك؟
في اعتقادي أن المسؤولية فيما حصل تتحملها ثلاث جهات:
أولا : الوزيرة التي أرادت أن تحقق إصلاحا دون التشاور والتنسيق مع الجهات المستهدفة بالإصلاح، والتي تمثلها النقابات الجادة للأساتذة والمعلمين واتحاديات الطلاب. فهل سيكرر وزير التعليم الحالي نفس الخطأ، وهو الذي يرفع شعار إصلاح مشابه للشعار الذي رفعته الوزيرة في العام 2008؟
ثانيا : نقابات الأساتذة والمعلمين واتحاديات الطلاب التي قررت أن تنظم في وقت غير مناسب سلسلة من الإضرابات التي أربكت ـ بشكل أو بآخر ـ الخطة الإصلاحية للوزيرة. فهل ستكرر اليوم نقابات الأساتذة والمعلمين نفس الخطأ؟
إن الإضراب حق مكفول دستوريا لا جدال في ذلك، وهو مظهر صحي في البلدان الديمقراطية، ولكن هذا الحق قد يأتي بنتائج سلبية إن تم استخدامه في توقيت سيء.
يُقال إن القرار الصائب قد يتحول إلى قرار خاطئ إن تم اتخاذه في وقت غير مناسب. وفي هذا الإطار قد يكون من غير المناسب تنظيم إضرابات بحجم كبير بعد سنة دراسية شبه بيضاء بسبب جائحة كورونا.
ثالثا : الجهة الثالثة التي قد نحملها جزءا من المسؤولية فيما حصل، تتمثل في لوبيات الفساد في قطاع التعليم، فهذه اللوبيات ترى أنها ستتضرر كثيرا من أي عملية إصلاح، ولذا فليس غريبا عليها أن تقف ضد أي عملية إصلاح يعلن عنها.
خلاصة القول
حتى لا تتكرر في العام 2021 أخطاء العام 2008، فإنه على وزير التعليم أن يُدرك بأنه لا يمكن تحقيق أي إصلاح في قطاع التعليم دون التنسيق الجيد والتشاور الواسع مع النقابات الجادة للأساتذة والعلمين. وعلى نقابات الأساتذة والمعلمين أن تدرك بأن اختيار الوقت المناسب للإضرابات هو أمر ضروري جدا. وعلى الجميع أن يدرك بأن الصراع بين الوزير والنقابات ليس في مصلحة قطاع التعليم وإنما هو في مصلحة لوبيات الفساد في هذا القطاع.
حفظ الله موريتانيا...