كمافي قصص الخيال. سافر سيد محمد ماونو الممرض العسكري السابق لسنوات في صحراء الشرق الموريتاني حاملا على جمله صيدليته العامرة بالأدوية متتبعا آثار البدو الرحل في صحراء الظهر شرق موريتانيا.
هذه واحدة من اكثر منطق العالم تعقيدا حيث تنعدم المؤسسات حيث لا يزال السكان يعيشون في عزلة عن العالم رغم ان التكنولوجيا اخذت طريقها الى البدو الذين لم يمتلك اثرياؤهم سيارات عابرة للصحراء قبل عام 2000.
سيد محمد ( 52 عاما) كان يحاكي لسنوات تقنية الجامعات المتنقلة التي عرف بها البدو المويتانيون -منذ قرون- حيث كانت لديهم مكتبات متحركة "على ظهور العيس" في الصحراء تحوي كتبا دينية ومخطوطات نادرة وبعض دواوين الشعر.
كانت اول رحلة قام بها الممرض الموريتاني في الصحراء لتوفير الأدوية للبدو عام 1998 مستفيدا من تاريخه في تدخلات صحية سابقة للجيش الموريتاني لصالح البدو الرحل شارك فيها بشكل رسمي.
وبحكم عدم تمركز البدو الرحل وطبيعة نظامهم الغذائي غير المتكامل فقد عمل الممرض لسنوات - وحيدا- على مواجهة سوء التغذية والالتهابات والملاريا متسلحا بالأدوية والنصائح.
يعلق الممرض الذي تعلو وجهه ابتسامة طيبة: " تنجح جهودنا دائما بسبب جودة الأدوية التي نصفها ومعرفتنا بطبيعة الانسان في هذه المنطقة" مضيفا: "الملاريا وبعض الإلتهابات ومتابعة الحوامل والاطفال حديثي الولادة وسوء التغذية لدى الاطفال هي الغالبة في المنطقة وبسبب صحة البيئة وبساطة الحياة يتمتع الناس بصحة جيدة ومن النادر ان يسحل انتشار وباء".
وبعمامته السوداء ودراعته التقليدية وخبرته في قبائل المنطقة وسكانها. اضافة الى تكوينه العسكري السابق تمكن سيد محمد من تاسيس تجربة نادرة في صحراء موريتانيا انتجت ثقة لا حدود لها بينه وبين البدو الذين انقطعوا لسنوات في الصحراء دون ان يكون للدولة اي حضور.
حاول الرجل وهو من السكان الاصليين لمدينة "النعمة" رفع لوعي الصحي لدى البدو والقيام بحملات توعية وتعبئة للسكان بضرورة التوجه للمستشفيات في حالات الامراض المزمنة والمستعصية.
وعلى جمله تنقل لسنوات بين مدينة النعمة الي يتزود منها بالدواء الى مقاطعة باسكنو ثم الى منطقة الظهر شرقا والتي يغوص فيها متنقلا في البوادي حتى حدود جمهورية مالي.
وعند آبار المياه وقبل ان تعرف المنطقة اي نوع من التحضر كان بامكان هذا الطبيب المغامر ان يلتقي البدو الرحل من مختلف المناطق وان يأخذ علما بجديد الاخبار ومن هناك يحدد وجهته القادمة في صحراء يعرفها جيدا.
انها مهنة تتربط اساسا بروح المغامرة والميل الى البذل والعطاء. وتطويع فنون التمريض والصيدلة لبيئة صحراوية صعبة.
وعلى عكس ما قد تبدو عليه هذه المهنة فانها مكسبة ماديا فقط اشترى الطبيب لاحقا سيارة رباعية الدفع ويعيش حياة مرفهة اليوم.
ولا تزال بعض اللقطات عالقة في ذهنه: "قد يمنحك البدو دجاجة وخروفا او معزاة كتعويض عن دواء".
يقول سيدي محمد مازحا: "يتوجب عليك حينها بيعها فلن تستطع اصطحابها في رحلة طويلة ومرهقة في الصحراء" مضيفا: " البدو احيانا فقراء بحيث يتوجب عليك تقديم الدواء لهم مجانا ولكن ذلك يمنحك مكانة اجتماعية مهمة لديهم كما انه امر يمنحك الراحة وتشعر بقيمة عملك".
وفي ظل الصورة العامة السلبية حول مهنة الطبيب في موريتاتيا اليوم تبدو سيرة الممرض سيد محمد مثالية كما يبدو محبوبا عند البدو في هذه المنطقة.
في السنوات الاخيرة. حط الطبيب رحاله في مدينة انبيكت الاحواش التي تأسست منذ 10 سنوات. وحصل على ترخيص حكومي لفتح صيدلية انيقة وسط المدينة تلقى اليوم اقبالا منقطع النظير من البدو الذين فضلوا التحضر منذ تأسيس المدينة منتصف العام 2010 في صحراء الشرق الموريتاني
وهو اليوم مرجع مهم للمنظمات الدولية والمؤسسات المعنية بالصحة العامة في المنطقة ووجيها من وجهاء المدينة التي تبدو اليوم مدينة واعدة في ظل انطلاق عملية ربطها بريا بمدينة النعمة عاصمة ولاية الحوض الشرقي.
-------------
محمد الربيع